فصل: (فَصْلٌ): ما تنعقد به الشركة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح القدير للعاجز الفقير



.(فَصْلٌ): ما تنعقد به الشركة:

(وَلَا تَنْعَقِدُ الشَّرِكَةُ إلَّا بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْفُلُوسِ النَّافِقَةِ) وَقَالَ مَالِكٌ: تَجُوزُ بِالْعُرُوضِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ أَيْضًا إذَا كَانَ الْجِنْسُ وَاحِدًا؛ لِأَنَّهَا عُقِدَتْ عَلَى رَأْسِ مَالٍ مَعْلُومٍ فَأَشْبَهَ النُّقُودَ، بِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ لِأَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَاهَا لِمَا فِيهَا مِنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ.
فَيُقْتَصَرُ عَلَى مَوْرِدِ الشَّرْعِ.
وَلَنَا أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ إذَا بَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَأْسَ مَالِهِ وَتَفَاضَلَ الثَّمَنَانِ فَمَا يَسْتَحِقُّهُ أَحَدُهُمَا مِنْ الزِّيَادَةِ فِي مَالِ صَاحِبِهِ رِبْحُ مَا لَمْ يَمْلِكْ وَمَا لَمْ يَضْمَنْ، بِخِلَافِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لِأَنَّ ثَمَنَ مَا يَشْتَرِيهِ فِي ذِمَّتِهِ إذْ هِيَ لَا تَتَعَيَّنُ فَكَانَ رِبْحُ مَا يَضْمَنُ، وَلِأَنَّ أَوَّلَ التَّصَرُّفِ فِي الْعُرُوضِ الْبَيْعُ وَفِي النُّقُودِ الشِّرَاءُ، وَبَيْعُ أَحَدِهِمَا مَالَهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ شَرِيكًا فِي ثَمَنِهِ لَا يَجُوزُ، وَشِرَاءُ أَحَدِهِمَا شَيْئًا بِمَالِهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ جَائِزٌ.
وَأَمَّا الْفُلُوسُ النَّافِقَةُ فَلِأَنَّهَا تَرُوجُ رَوَاجَ الْأَثْمَانِ فَالْتَحَقَتْ بِهَا.
قَالُوا: هَذَا قول مُحَمَّدٍ لِأَنَّهَا مُلْحَقَةٌ بِالنُّقُودِ عِنْدَهُ حَتَّى لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ اثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ بِأَعْيَانِهَا عَلَى مَا عُرِفَ، أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ وَالْمُضَارَبَةُ بِهَا لِأَنَّ ثُمْنِيَّتَهَا تَتَبَدَّلُ سَاعَةً فَسَاعَةً وَتَصِيرُ سِلْعَةً.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلُ قول مُحَمَّدٍ، وَالْأَوَّلُ أَقْيَسُ وَأَظْهَرُ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ صِحَّةُ الْمُضَارَبَةِ بِهَا.
الشَّرْحُ:
(فَصْلٌ) ما تنعقد به الشركة:
لَمَّا ذَكَرَ اشْتِرَاطَ الْمُسَاوَاةِ فِي رَأْسِ مَالِ شَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ احْتَاجَ إلَى بَيَانِ أَيِّ مَالٍ تَصِحُّ بِهِ، فَقَالَ: (لَا تَنْعَقِدُ الشَّرِكَةُ) أَيْ شَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ (إلَّا بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْفُلُوسِ النَّافِقَةِ) يَعْنِي لَا تَنْعَقِدُ الْمُفَاوَضَةُ إذَا ذُكِرَ فِيهَا الْمَالُ إلَّا بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ الْمُفَاوَضَةَ وَالْعِنَانَ يَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي شَرِكَةِ الْوُجُوهِ وَالتَّقَبُّلِ فَيَصِحُّ قولنَا الْمُفَاوَضَةُ تَنْعَقِدُ فِي الْوُجُوهِ وَالتَّقَبُّلِ بِلَا مَالٍ فَصَدَقَ بَعْضُ الْمُفَاوَضَةِ تَنْعَقِدُ بِلَا دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ وَفُلُوسٍ، وَهُوَ يُنَاقِضُ قولهُ لَا تَنْعَقِدُ الْمُفَاوَضَةُ إلَّا بِالدَّرَاهِمِ إلَخْ؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ الْجُزْئِيَّ يُنَاقِضُ السَّلْبَ الْكُلِّيَّ، وَالتَّقْيِيدُ بِمَا ذُكِرَ يُخْرِجُ الدَّيْنَ وَالْعُرُوضَ، وَهُوَ قول أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ فِي وَجْهٍ، وَفِي وَجْهٍ يَجُوزُ بِالْعُرُوضِ الْمُثْلَى، وَقَالَ مَالِكٌ تَجُوزُ بِالْعُرُوضِ إذَا اتَّحَدَ جِنْسُهَا.
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ: تَجُوزُ الشَّرِكَةُ وَالْمُضَارَبَةُ بِالْعُرُوضِ، وَلَوْ وَقَعَ تَفَاضُلٌ فِي بَيْعِهَا يَرْجِعُ كُلٌّ بِقِيمَةِ عَرْضِهِ عِنْدَ الْعَقْدِ، وَكَمَا لَا تَجُوزُ عِنْدَنَا بِالْعَرْضِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ مَالِ أَحَدِهِمَا عَرْضًا وَالْآخَرِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ حُضُورَ الْمَالِ وَقْتَ الْعَقْدِ وَهُوَ صَحِيحٌ، بَلْ الشَّرْطُ وُجُودُهُ وَقْتَ الشِّرَاءِ.
وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفًا، وَقَالَ: أَخْرِجْ مِثْلَهَا وَاشْتَرِ بِهَا وَبِعْ فَمَا رَبِحْت فَهُوَ بَيْنَنَا فَفَعَلَ صَحَّ، إلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ فَعَلَ لِيَلْزَمَ الْآخَرَ إذَا لَمْ يُصَدِّقْهُ لَوْ ثَبَتَتْ وَضِيعَةٌ، وَقَيَّدَ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لِإِخْرَاجِ الْحُلِيِّ وَالتِّبْرِ فَلَا يَصْلُحَانِ رَأْسَ مَالِ الشَّرِكَةِ إلَّا فِيمَا سَنَذْكُرُهُ، وَأَمَّا الْفُلُوسُ النَّافِقَةُ فَلَمْ يَذْكُرْ الْقُدُورِيُّ وَالْحَاكِمُ أَبُو الْفَضْلِ فِي الْكَافِي فِيهَا خِلَافًا، بَلْ اقْتَصَرَ عَلَى أَنْ قَالَ: وَلَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ إلَّا بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْفُلُوسِ.
وَخَصَّ الْكَرْخِيُّ الْجَوَازَ بِالْفُلُوسِ عَلَى قولهِمَا، وَبَعْضُهُمْ جَعَلَ الظَّاهِرَ الْجَوَازَ، وَعَدَمُ الْجَوَازِ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ: لَوْ كَانَ رَأْسُ مَالِ أَحَدِهِمَا فُلُوسًا لَمْ تَجُزْ الشَّرِكَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا صَارَتْ ثَمَنًا بِاصْطِلَاحِ النَّاسِ، وَلَيْسَتْ ثَمَنًا فِي الْأَصْلِ وَهُمْ لَمْ يَتَعَامَلُوا أَنْ يَجْعَلُوهَا رَأْسَ مَالِ الشَّرِكَةِ.
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ وَهُوَ قول أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ.
وَقَالَ الْمُصَنِّفُ (قَالُوا) يَعْنِي الْمُتَأَخِّرِينَ: (هَذَا قول مُحَمَّدٍ) وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِمَسْأَلَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا أَنَّ الْفُلُوسَ لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعَيُّنِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ فَلْسٍ بِفَلْسَيْنِ إذَا كَانَا بِعَيْنِهِمَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لَهُمَا، وَسَيَأْتِي الْوَجْهُ وَالتَّقْيِيدُ بِأَعْيَانِهِمَا احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ بَاعَ فَلْسًا بِفَلْسَيْنِ دَيْنًا، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ النَّسَاءِ تَثْبُتُ بِاتِّحَادِ الْجِنْسِ.
وَجْهُ قول مَالِكٍ أَنَّ الْجِنْسَ إذَا كَانَ مُتَّحِدًا فَقَدْ (عُقِدَتْ عَلَى رَأْسِ مَالٍ مَعْلُومٍ) فَكَانَتْ كَالنُّقُودِ (بِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ) حَيْثُ لَا تَجُوزُ إلَّا بِالنُّقُودِ؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ (لِمَا فِيهَا مِنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ) فَإِنَّ الْمَالَ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى الْمُضَارِبِ وَيَسْتَحِقُّ رِبْحَهُ (فَيُقْتَصَرُ عَلَى مَوْرِدِ الشَّرْعِ. وَلَنَا أَنَّ رَأْسَ مَالِ الشَّرِكَةِ) فِي الْعُرُوضِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ (يُؤَدِّي إلَى رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ)؛ لِأَنَّهُ إذَا بَاعَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَرْضَهُ وَاتَّفَقَ تَفَاضُلُ الثَّمَنَيْنِ (فَمَا يَسْتَحِقُّهُ أَحَدُهُمَا مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى حِصَّةِ رَأْسِ مَالِهِ) الَّذِي هُوَ ثَمَنُ عَرْضِهِ (رِبْحُ مَا لَمْ يَمْلِكْهُ) وَلَمْ يَضْمَنْهُ (بِخِلَافِ النُّقُودِ) فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ ثَمَّ وَكِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ فِي الشِّرَاءِ بِمَالِهِ، وَمَا يَشْتَرِيهِ كُلٌّ مِنْهُمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِرَأْسِ الْمَالِ لِعَدَمِ التَّعْيِينِ، فَيَكُونُ وَاجِبًا فِي ذِمَّتِهِ فَرِبْحُهُ رِبْحُ مَا ضَمِنَهُ.
فَإِنْ قِيلَ: هَذَا لَا يَلْزَمُ؛ لِأَنَّهُ يَشْتَرِطُ خَلْطَ الْعَرْضَيْنِ لِاتِّحَادِ جِنْسِهِمَا مَكِيلَيْنِ أَوْ مَوْزُونَيْنِ أَوْ غَيْرِهِمَا مُتَّحِدِي الْقِيمَةِ كَثِيَابِ الْكِرْبَاسِ مِنْ بَابَةَ وَاحِدَةٍ.
قُلْنَا: الْخَلْطُ لَا يُوجِبُ الِاشْتِرَاكَ فِي كُلِّ ثَوْبٍ وَحَبَّةٍ مَثَلًا، فَإِذَا بَاعَا جُمْلَةً فِي وَقْتِ طُلُوعِ السِّعْرِ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ عَدَدَ مَا بِيعَ مِنْ الْأَجْزَاءِ وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي مُتَسَاوِيَانِ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُمَا مُتَفَاوِتَانِ، فَيَلْزَمُ اخْتِصَاصُ أَحَدِهِمَا بِزِيَادَةِ رِبْحٍ لِزِيَادَةِ مِلْكِهِ، وَالتَّخَلُّصُ عَنْهُ لَيْسَ إلَّا بِضَبْطِ قَدْرِ مِلْكِهِ، وَهُوَ مَجْهُولٌ فَقَدْ أَدَّى إلَى تَعَذُّرِ الْوُصُولِ إلَى قَدْرِ حَقِّهِ وَرِبْحِ الْآخَرِ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَلِأَنَّ الْقِيمَةَ لَا تُعْرَفُ إلَّا بِالْحَزْرِ وَالظَّنِّ وَلَا يُفِيدَانِ الْعِلْمَ بِالْقِيمَةِ فَيُؤَدِّي إلَى الْمُنَازَعَةِ فِيهِ، وَهَذَا إنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ اُعْتُبِرَ رَأْسُ الْمَالِ قِيمَةَ الْعُرُوضِ، أَمَّا إذَا كَانَ هُوَ نَفْسُ الْعُرُوضِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ مُتَّحِدَةِ الْقِيمَةِ وَقْتَ الْعَقْدِ وَقَدْ خَلَطَاهُ فِيهِ فَلَا تَنَازُعَ.
نَعَمْ اللَّازِمُ رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ وَتَعَذُّرُ مَا يَدْفَعُهُ (وَلِأَنَّ أَوَّلَ التَّصَرُّفِ فِي الْعُرُوضِ الْبَيْعُ وَفِي النُّقُودِ الشِّرَاءُ، وَبَيْعُ الْإِنْسَانِ مَالَهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ شَرِيكًا فِي ثَمَنِهِ لَا يَجُوزُ، وَشِرَاؤُهُ شَيْئًا بِمَالِهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ شَرِيكًا فِيهِ يَجُوزُ)، وَعَلِمْت أَنَّ الْخَلْطَ لَا يَنْفِي ذَلِكَ (وَجْهُ قول مُحَمَّدٍ أَنَّ الْفُلُوسَ إذَا كَانَتْ نَافِقَةً تَرُوجُ رَوَاجَ الْأَثْمَانِ فَالْتَحَقَتْ بِهَا) وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّ ثُمْنِيَّتَهَا تَتَبَدَّلُ سَاعَةً فَسَاعَةً، فَإِنَّهَا بِاصْطِلَاحِ النَّاسِ لَا بِالْخِلْقَةِ، فَفِي كُلِّ سَاعَةٍ تَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ الْخِلْقَةِ.
وَتَصِيرُ ثَمَنًا بِالِاصْطِلَاحِ الْقَائِمِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا إنَّمَا هُوَ فِي الْمُلَاحَظَةِ، أَمَّا فِي الْخَارِجِ فَهِيَ ثَمَنٌ مُسْتَمِرٌّ مَا اسْتَمَرَّ الِاصْطِلَاحُ عَلَيْهَا، وَلِذَا قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ: الصَّحِيحُ أَنَّ عَقْدَ الشَّرِكَةِ عَلَى الْفُلُوسِ يَجُوزُ عَلَى قول الْكُلِّ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ ثَمَنًا بِاصْطِلَاحِ النَّاسِ، وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا بِفُلُوسٍ بِعَيْنِهَا لَمْ تَتَعَيَّنْ تِلْكَ الْفُلُوسُ حَتَّى لَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ لِهَلَاكِهَا.
قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلُ قول مُحَمَّدٍ، وَالْأَوَّلُ أَقْيَسُ وَأَظْهَرُ)؛ لِأَنَّ قولهُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ مُسْتَقِرٌّ فِي بَيْعِ فَلْسٍ بِفَلْسَيْنِ، (وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ جَوَازُ الْمُضَارَبَةِ بِهَا) وَعَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ مَبْسُوطِ الْإِسْبِيجَابِيِّ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ قول الْكُلِّ الْآنَ عَلَى جَوَازِ الشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ بِالْفُلُوسِ النَّافِقَةِ وَعَدَمِ التَّعْيِينِ.

متن الهداية:
قَالَ: (وَلَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ بِمَا سِوَى ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَتَعَامَلَ النَّاسُ بِالتِّبْرِ) وَالنُّقْرَةُ فَتَصِحُّ الشَّرِكَةُ بِهِمَا، هَكَذَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ (وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَلَا تَكُونُ الْمُفَاوَضَةُ بِمَثَاقِيلِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ) وَمُرَادُهُ التِّبْرُ، فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ التِّبْرُ سِلْعَةٌ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَلَا تَصِحُّ رَأْسُ الْمَالِ فِي الْمُضَارَبَاتِ وَالشَّرِكَاتِ.
وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ أَنَّ النُّقْرَةَ لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ حَتَّى لَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِهَا بِهَلَاكِهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ، فَعَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ تَصْلُحُ رَأْسَ الْمَالِ فِيهِمَا، وَهَذَا لِمَا عُرِفَ أَنَّهُمَا خُلِقَا ثَمَنَيْنِ فِي الْأَصْلِ، إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ أَصَحُّ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ خُلِقَتْ لِلتِّجَارَةِ فِي الْأَصْلِ لَكِنَّ الثَّمَنِيَّةَ تَخْتَصُّ بِالضَّرْبِ الْمَخْصُوصِ؛ لِأَنَّ عِنْدَ ذَلِكَ لَا تُصْرَفُ إلَى شَيْءٍ آخَرَ ظَاهِرًا إلَّا أَنْ يَجْرِيَ التَّعَامُلُ بِاسْتِعْمَالِهِمَا ثَمَنًا فَنَزَلَ التَّعَامُلُ بِمَنْزِلَةِ الضَّرْبِ فَيَكُونُ ثَمَنًا وَيَصْلُحُ رَأْسُ الْمَالِ.
الشَّرْحُ:
وَعَلَى مَنْعِ بَيْعِ فَلْسٍ بِفَلْسَيْنِ كَمَا ذُكِرَ فِيمَا يَلِيهِ حَيْثُ قَالَ: (وَلَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ بِمَا وَرَاءَ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَتَعَامَلَ النَّاسُ بِهَا كَالتِّبْرِ) وَهُوَ غَيْرُ الْمَصُوغِ (وَالنُّقْرَةِ) وَهِيَ الْقِطْعَةُ الْمُذَابَةُ مِنْهَا، وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ فِي ذَلِكَ، رِوَايَةُ الْجَامِعِ: لَا تَكُونُ الْمُفَاوَضَةُ بِمَثَاقِيلِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، وَمُرَادُهُ التِّبْرُ فَعَلَى هَذِهِ التِّبْرُ سِلْعَةٌ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَلَا تَصْلُحُ رَأْسَ مَالِ الشَّرِكَاتِ وَالْمُضَارَبَاتِ، وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ أَنَّ النُّقْرَةَ لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ حَتَّى لَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِهَلَاكِهَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ، فَعَلَى هَذَا تَصْلُحُ رَأْسَ مَالٍ فِيهِمَا، وَهَذَا لِمَا عُرِفَ أَنَّهُمَا خُلِقَا ثَمَنَيْنِ.
ثُمَّ قَالَ: (إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ أَصَحُّ) يَعْنِي دِرَايَةً؛ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا خُلِقَا لِلتِّجَارَةِ (لَكِنَّ الثَّمَنِيَّةَ تَخْتَصُّ بِالضَّرْبِ الْمَخْصُوصِ) فَخَرَجَ ضَرْبُهَا حُلِيًّا فَإِنَّهَا تَتَعَيَّنُ أَلْبَتَّةَ، وَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِهَلَاكِهَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ (وَلَمْ يَجْرِ التَّعَامُلُ بِهِمَا) أَيْ ثُمَّ قَالَ: (إلَّا أَنْ يَجْرِيَ التَّعَامُلُ بِهِمَا) أَيْ بِالتِّبْرِ وَالنُّقْرَةِ اسْتِثْنَاءً مِنْ قولهِ أَصَحُّ، وَهُوَ كَوْنُهُمَا لَا تَصِحُّ الشَّرِكَةُ بِهِمَا فَكَانَ الثَّابِتُ أَنَّهُمْ إذَا تَعَامَلُوا بِقِطَعِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ صَلَحَتْ رَأْسَ مَالٍ فِي الشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ.
ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ: قولهُ أَيْ الْقُدُورِيِّ.

متن الهداية:
ثُمَّ قولهُ وَلَا تَجُوزُ بِمَا سِوَى ذَلِكَ يَتَنَاوَلُ الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ وَالْعَدَدِيَّ الْمُتَقَارِبَ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَنَا قَبْلَ الْخَلْطِ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رِبْحُ مَتَاعِهِ وَعَلَيْهِ وَضِيعَتُهُ، وَإِنْ خَلَطَا ثُمَّ اشْتَرَكَا فَكَذَلِكَ فِي قول أَبِي يُوسُفَ، وَالشَّرِكَةُ شَرِكَةُ مِلْكٍ لَا شَرِكَةُ عَقْدٍ.
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَصِحُّ شَرِكَةُ الْعَقْدِ.
وَثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ عِنْدَ التَّسَاوِي فِي الْمَالَيْنِ وَاشْتِرَاطِ التَّفَاضُلِ فِي الرِّبْحِ، فَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ مَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ بَعْدَ الْخَلْطِ كَمَا تَعَيَّنَ قَبْلَهُ.
وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّهَا ثَمَنٌ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى جَازَ الْبَيْعُ بِهَا دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ.
وَمَبِيعٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، فَعَمِلْنَا بِالشَّبَهَيْنِ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْحَالَيْنِ، بِخِلَافِ الْعُرُوضِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ ثَمَنًا بِحَالٍ.
الشَّرْحُ:
(لَا تَجُوزُ بِمَا سِوَى ذَلِكَ يَتَنَاوَلُ الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ وَالْمَعْدُودَ الْمُتَقَارِبَ وَلَا خِلَافَ فِيهِ) بَيْنَنَا (قَبْلَ الْخَلْطِ)؛ لِأَنَّهَا عُرُوضٌ مَحْضَةٌ (لِكُلٍّ مِنْهُمَا مَتَاعُهُ وَعَلَيْهِ وَضِيعَتُهُ) وَيَخْتَصُّ بِرِبْحِهِ، (وَكَذَا إنْ خَلَطَا ثُمَّ اشْتَرَكَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) أَيْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مَتَاعُهُ يَخُصُّهُ رِبْحُهُ وَوَضِيعَتُهُ لِانْتِفَاءِ شَرِكَةِ الْعَقْدِ، وَالْوَضِيعَةُ خَسَارَةُ التَّاجِرِ، يُقَالُ مِنْهُ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ وُضِعَ التَّاجِرُ وُكِسَ فِي سِلْعَتِهِ يُوضَعُ وَضِيعَةً: أَيْ خَسِرَ.
وَقَالَ قَوْمٌ مِنْ الْعَرَبِ: وَضِعَ يَوْضَعُ كَوَجِلِ يَوْجَلُ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَصِحُّ شَرِكَةُ عَقْدٍ) إذَا كَانَ الْمَخْلُوطُ جِنْسًا وَاحِدًا (وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي اشْتِرَاطِ التَّفَاضُلِ فِي الرِّبْحِ) فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَصِحُّ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَلْزَمُ (وَقول أَبِي يُوسُفَ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ) عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَكَانَ عَرَضًا مَحْضًا فَلَا يَصِحُّ رَأْسُ مَالِهَا، وَمَا لَا يَصِحُّ رَأْسَ مَالِ الشَّرِكَةِ لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ الْحَالُ بَيْنَ الْخَلْطِ وَعَدَمِهِ، كَمَا أَنَّ مَا يَصِحُّ مِنْ النُّقُودِ لَا يَخْتَلِفُ فِي الْخَلْطِ وَعَدَمِهِ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَانِعَ قَبْلَ الْخَلْطِ هُوَ كَوْنُهُ يُؤَدِّي إلَى رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَهُوَ بِعَيْنِهِ مَوْجُودٌ بَعْدَ الْخَلْطِ بَلْ يَزْدَادُ تَقَرُّرًا؛ لِأَنَّ الْمَخْلُوطَ لَا يَكُونُ إلَّا مُتَعَيِّنًا فَيَتَقَرَّرُ الْمَعْنَى الْمُفْسِدُ فَكَيْفَ يَكُونُ مُصَحِّحًا لِلْعَقْدِ.
قولهُ: (وَلِمُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهَا) أَيْ الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ وَالْعَدَدِيُّ الْمُتَقَارِبُ (عُرُوضٌ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ) ثَمَنٌ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى يَصِحُّ الشِّرَاءُ بِهَا دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ وَهُوَ مِنْ حُكْمِ الْأَثْمَانِ فَعَمِلْنَا (بِالشَّبَهَيْنِ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْحَالَيْنِ) وَهُمَا الْخَلْطُ وَعَدَمُهُ بِشَبَهِ الْعَرَضِ قَبْلَ الْخَلْطِ فَلَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ بِهَا قَبْلَهُ، وَيُشْبِهُ الثَّمَنَ بَعْدَ الْخَلْطِ فَتَجُوزُ الشَّرِكَةُ بِهَا بَعْدَهُ.
وَهَذَا لِأَنَّ بِالْخَلْطِ تَثْبُتُ شَرِكَةُ الْمِلْكِ فَيَتَأَكَّدُ بِهَا شَرِكَةُ الْعَقْدِ (بِخِلَافِ الْعُرُوضِ) الْمَحْضَةِ (فَإِنَّهَا لَيْسَتْ ثَمَنًا بِحَالٍ) وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ هُوَ الْأَظْهَرُ وَجْهًا؛ لِأَنَّ الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ قَبْلَ الْخَلْطِ لَيْسَ شَيْئًا غَيْرَ الْعَرْضِ لَهُ شَبَهٌ بِهِ بَلْ هُوَ عَرْضٌ مَحْضٌ، وَازْدَادَ فِي الْعَرْضِيَّةِ فِي الْجُمْلَةِ، وَكَوْنُ الشَّيْءِ مُتَأَصِّلًا فِي حَقِيقَةٍ وَلَهُ شَبَهٌ بِأُخْرَى لَا يُقَالُ لَهُ شَبَهَانِ، وَغَايَتُهُ أَنَّ الثُّبُوتَ فِي الذِّمَّةِ عَرَضٌ عَامٌّ لِحَقِيقَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ، وَالْمُفْسِدُ وَهُوَ رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ لَا يَخْتَلُّ بِالْخَلْطِ وَإِلَّا لَزِمَ قول مَالِكٍ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ.

متن الهداية:
وَلَوْ اخْتَلَفَا جِنْسًا كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالزَّيْتِ وَالسَّمْنِ فَخُلِطَا لَا تَنْعَقِدُ الشَّرِكَةُ بِهَا بِالِاتِّفَاقِ.
وَالْفَرْقُ لِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْمَخْلُوطَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، وَمِنْ جِنْسَيْنِ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ فَتَتَمَكَّنُ الْجَهَالَةُ كَمَا فِي الْعُرُوضِ، وَإِذَا لَمْ تَصِحَّ الشَّرِكَةُ فَحُكْمُ الْخَلْطِ قَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ.
الشَّرْحُ:
وَلَوْ كَانَ الْمَخْلُوطُ لَهُمَا جِنْسَيْنِ كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالزَّيْتِ وَالسَّمْنِ، ثُمَّ عَقَدَا لَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ بِالِاتِّفَاقِ (وَالْفَرْقُ لِمُحَمَّدٍ) بَيْنَ الْعَقْدِ بَعْدَ صِحَّةِ الْخَلْطِ فِي مُتَّفِقِي الْجِنْسِ حَيْثُ يَجُوزُ، وَالْمُخْتَلِفِينَ حَيْثُ لَا يَجُوزُ.
(أَنَّ مَا كَانَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ) حَتَّى يَضْمَنُ مُتْلِفُهُ مِثْلَهُ فَيُمْكِنُ تَحْصِيلُ رَأْسِ الْمَالِ كُلٌّ مِنْهُمَا وَقْتَ الْقِسْمَةِ بِاعْتِبَارِ الْمِثْلِ (وَ) الْمَخْلُوطُ (مِنْ جِنْسَيْنِ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ) حَتَّى يَلْزَمُ مُتْلِفَهُ قِيمَتُهُ (فَتَتَمَكَّنَ الْجَهَالَةُ)؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَصِلَ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَى غَيْرِ حَقِّهِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَقْتَ الْقِسْمَةِ (كَمَا فِي الْعُرُوضِ).
قولهُ: (فَحُكْمُ الْخَلْطِ قَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ) قِيلَ أَرَادَ قَضَاءَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَلَمْ يَتَّفِقْ فِي هَذَا الْكِتَابِ، وَيُمْكِنُ تَأْوِيلُهُ أَنَّهُ بَيَّنَّهُ فِي غَيْرِهِ إلَّا أَنَّهُ خِلَافُ الْمُعْتَادِ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ فِي إطْلَاقِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْخَالِطَ تَعَدِّيًا يَضْمَنُ نَصِيبَ الْمَخْلُوطِ مَالُهُ إذَا خَلَطَهُ بِجِنْسِهِ أَوْ بِخِلَافِ جِنْسِهِ وَلَا يَتَمَيَّزُ كَشَيْرَجِ رَجُلٍ خَلَطَهُ بِزَيْتِ غَيْرِهِ، أَوْ يَتَمَيَّزُ بِعُسْرٍ كَحِنْطَةٍ خَلَطَهَا بِشَعِيرٍ؛ لِأَنَّهُ انْقَطَعَ حَقُّ مَالِكِهَا بِهَذَا الْخَلْطِ، فَإِنَّ هَذَا الْخَلْطَ اسْتِهْلَاكٌ، بِخِلَافِ مَا تَيَسَّرَ مَعَهُ كَخَلْطِ السُّودِ بِالْبِيضِ مِنْ الدَّرَاهِمِ لَيْسَ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ الْمَالِكُ مِنْ الْوُصُولِ إلَى عَيْنِ مِلْكِهِ، وَحَيْثُ وَجَبَ الضَّمَانُ يَجِبُ عَلَى الْخَالِطِ سَوَاءٌ كَانَ أَجْنَبِيًّا عَنْ الْمَخْلُوطِ مَالُهُ كَغَيْرِ الْمُودِعِ وَغَيْرِ مَنْ فِي عِيَالِهِ كَبِيرًا كَانَ أَوْ صَغِيرًا أَوْ كَانَ فِي عِيَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يَظْفَرْ بِالْخَالِطِ فَقَالَ أَحَدُ الْمَالِكَيْنِ أَنَا آخُذُ الْمَخْلُوطَ وَأُعْطِي صَاحِبِي مِثْلَ مَا كَانَ لَهُ فَرَضِيَ صَاحِبُهُ جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا، فَإِذَا رَضِيَا بِذَلِكَ صَحَّ، وَإِنْ أَبَى يُبَاعُ الْمَخْلُوطُ وَيُقَسَّمُ الثَّمَنُ بَيْنَهُمَا عَلَى قِيمَةِ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ عَلَى مَا يُذْكَرُ، وَهُوَ أَنْ يَضْرِبَ صَاحِبُ الْحِنْطَةِ بِقِيمَتِهَا مَخْلُوطَةً بِالشَّعِيرِ وَصَاحِبُ الشَّعِيرِ بِقِيمَتِهِ غَيْرَ مَخْلُوطٍ بِالْحِنْطَةِ؛ لِأَنَّ الْحِنْطَةَ تَنْقُصُ بِاخْتِلَاطِهَا بِالشَّعِيرِ، وَقَدْ دَخَلَتْ فِي الْبَيْعِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَلَا يَضْرِبُ بِقِيمَتِهَا إلَّا بِالصِّفَةِ الَّتِي بِيعَتْ بِهَا، وَالشَّعِيرُ يَزْدَادُ قِيمَةً بِالِاخْتِلَاطِ لَكِنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مِنْ مَالِ صَاحِبِ الْحِنْطَةِ فَلَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يَضْرِبَ بِهَا مَخْلُوطًا فَلِهَذَا يَضْرِبُ بِقِيمَةِ الشَّعِيرِ غَيْرَ مَخْلُوطٍ.
قِيلَ هَذَا الْجَوَابُ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى قول أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ.
وَرِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مِلْكَ الْمَالِكِ لَا يَنْقَطِعُ عَنْ الْمَخْلُوطِ بَلْ لَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ الشَّرِكَةِ فِي الْمَخْلُوطِ وَبَيْنَ تَضْمِينِ الْخَالِطِ، فَأَمَّا عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِهِ الْمَخْلُوطُ مِلْكٌ لِلْخَالِطِ وَحَقُّهُمَا فِي ذِمَّتِهِ فَلَا يُبَاعُ مَالُهُ فِي دَيْنِهِمَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَجْرِ عَلَيْهِ، أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَرَى ذَلِكَ.
وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ قولهُمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ مِلْكَهُمَا وَإِنْ انْقَطَعَ عَنْ الْمَخْلُوطِ فَالْحَقُّ فِيهِ بَاقٍ مَا لَمْ يَصِلْ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَى بَدَلِ مِلْكِهِ، وَلِهَذَا لَا يُبَاحُ لِلْخَالِطِ الِانْتِفَاعُ بِالْمَخْلُوطِ قَبْلَ أَدَاءِ الضَّمَانِ، فَلِبَقَاءِ حَقِّهِمَا يَكُونُ لَهُمَا أَنْ يَسْتَوْفِيَا حَقَّهُمَا مِنْ الْمَخْلُوطِ، إمَّا صُلْحًا بِالتَّرَاضِي أَوْ بَيْعًا وَقِسْمَةَ الثَّمَنِ، وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى الْخَلْطِ وَرَضِيَا بِهِ، وَهُوَ جِنْسٌ وَاحِدٌ مَكِيلٌ أَوْ مَوْزُونٌ صَارَ عَيْنًا مُشْتَرَكَةً، فَإِذَا بَاعَهُ انْقَسَمَ عَلَى قَدْرِ مِلْكِ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَلَوْ كَانَ الْمَخْلُوطُ غَيْرَ مِثْلِيٍّ كَالثِّيَابِ فَبَاعَاهَا بِثَمَنٍ وَاحِدٍ اقْتَسَمَاهُ عَلَى قِيمَةِ مَتَاعِ كُلٍّ مِنْهُمَا يَوْمَ بَاعَهُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا بَائِعٌ لِمِلْكِهِ، وَالثَّمَنُ بِمُقَابَلَةِ جَمِيعِ مَا دَخَلَ فِي الْعَقْدِ مِنْ الْعَرْضِ، فَيُقَسَّمُ عَلَيْهِمَا بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ، وَإِنْ كَانَا جِنْسَيْنِ مِثْلَيْنِ فَالثَّمَنُ بَيْنَهُمَا إذَا بَاعَا عَلَى قَدْرِ قِيمَةِ مَتَاعِ كُلٍّ مِنْهُمَا يَوْمَ خَلَطَا مَخْلُوطًا؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ بَدَلُ الْمَبِيعِ فَيُقَسَّمُ عَلَى قِيمَةِ مِلْكِ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَمِلْكُ كُلٍّ مِنْهُمَا كَانَ مَعْلُومًا بِالْقِيمَةِ وَقْتَ الْخَلْطِ فَتُعْتَبَرُ تِلْكَ الْقِيمَةُ، لَكِنْ مَخْلُوطًا إنْ لَمْ تَزِدْ بِالْخَلْطِ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي الْبَيْعِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَزِيدُهُ الْخَلْطُ خَيْرًا فَإِنَّهُ يَضْرِبُ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ يَقْتَسِمُونَ غَيْرَ مَخْلُوطٍ.
مَثَلًا قِيمَةُ الشَّعِيرِ تَزْدَادُ إذَا خُلِطَ بِالْحِنْطَةِ، وَقِيمَةُ الْحِنْطَةِ تَنْقُصُ، فَصَاحِبُ الشَّعِيرِ يَضْرِبُ بِقِيمَتِهِ غَيْرَ مَخْلُوطٍ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الزِّيَادَةَ ظَهَرَتْ فِي مِلْكِهِ مِنْ مَالِ صَاحِبِهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ الضَّرْبَ بِهِ مَعَهُ، وَصَاحِبُ الْحِنْطَةِ يَضْرِبُ بِقِيمَتِهَا مَخْلُوطَةً بِالشَّعِيرِ؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ حَاصِلٌ بِعَمَلٍ هُوَ رَاضٍ بِهِ وَهُوَ الْخَلْطُ، وَقِيمَةُ مِلْكِهِ عِنْدَ ذَلِكَ نَاقِصَةٌ فَلَا يَضْرِبُ إلَّا بِذَلِكَ الْقَدْرِ.
وَقَدْ طَعَنَ عِيسَى رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا فَقَالَ: قولهُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ خَلَطَاهُ، وَفِي الْفَصْلِ الثَّانِي يَوْمَ يَقْتَسِمُونَ غَلَطٌ، بَلْ الصَّحِيحُ يُقَسَّمُ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا يَوْمَ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الثَّمَنِ بِهِ، وَصَارَ كَمَا لَوْ لَمْ يَخْلِطَاهُ وَبَاعَا الْكُلَّ جُمْلَةً، فَإِنَّ قِسْمَةَ الثَّمَنِ عَلَى الْقِيمَةِ تَكُونُ وَقْتَ الْبَيْعِ إلَّا أَنْ تَكُونَ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْبَيْعِ وَيَوْمَ الْخَلْطِ وَالْقِسْمَةِ سَوَاءً.
وَرَدَّهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ بِأَنَّ مَعْرِفَةَ قِيمَةِ الشَّيْءِ بِالرُّجُوعِ إلَى قِيمَةِ مِثْلِهِ فِي الْأَسْوَاقِ، وَلَيْسَ لِلْمَخْلُوطِ مِثْلٌ يُبَاعُ فِيهَا حَتَّى يُمْكِنَ اعْتِبَارُ قِيمَةِ مِلْكِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَقْتَ الْبَيْعِ، فَإِذَا تَعَذَّرَ هَذَا وَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى التَّقْوِيمِ فِي وَقْتٍ يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ قِيمَةِ مِلْكِ كُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا فِي جَارِيَةٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا مَا فِي بَطْنِهَا فَهُوَ ضَامِنٌ لِقِيمَةِ نَصِيبِ شَرِيكِهِ وَقْتَ الْوِلَادَةِ لِتَعَذُّرِ مَعْرِفَتِهَا وَقْتَ الْعِتْقِ فَيُصَارُ إلَى تَقْوِيمِهِ فِي أَوَّلِ الْأَوْقَاتِ الَّتِي يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ الْقِيمَةِ فِيهَا وَهُوَ مَا بَعْدَ الْوِلَادَةِ، فَكَذَا هُنَا يُصَارُ إلَى مَعْرِفَةِ قِيمَةِ كُلٍّ فِي أَوَّلِ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ، وَهُوَ عِنْدَ الْخَلْطِ إلَّا أَنَّهُ إذَا عَلِمَ أَنَّ الْخَلْطَ يَزِيدُ فِي مَالِ أَحَدِهِمَا وَيُنْقِصُ فِي مَالِ الْآخَرِ فَقَدْ تَعَذَّرَ قِسْمَةُ الثَّمَنِ عَلَى قِيمَةِ مِلْكِهِمَا وَقْتَ الْخَلْطِ لِتَيَقُّنِنَا بِزِيَادَةِ مِلْكِ أَحَدِهِمَا وَنُقْصَانِ الْآخَرِ فَاعْتُبِرَتْ الْقِيمَةُ وَقْتَ الْقِسْمَةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ عِنْدَ الْخَلْطِ مِلْكَ كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ فَيُجْعَلُ حَقُّ كُلٍّ مِنْهُمَا يَوْمَ الْخَلْطِ كَالْبَاقِي فِي الْمِثْلِ إلَى وَقْتِ الْقِسْمَةِ فَيَنْقَسِمُ الثَّمَنُ عَلَى مَا هُوَ حَقُّ كُلٍّ مِنْهُمَا، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُخْلَطَا: لِأَنَّ تَقَوُّمَ مِلْكِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَقْتَ الْبَيْعِ هُنَاكَ مُمْكِنٌ، فَاعْتَبَرْنَا فِي قِسْمَةِ الثَّمَنِ قِيمَةَ كُلٍّ مِنْهُمَا وَقْتَ الْبَيْعِ.

متن الهداية:
قَالَ: (وَإِذَا أَرَادَ الشَّرِكَةَ بِالْعُرُوضِ بَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ مَالِهِ بِنِصْفِ مَالِ الْآخَرِ، ثُمَّ عَقَدَا الشَّرِكَةَ) قَالَ: (وَهَذِهِ الشَّرِكَةُ مِلْكٌ) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْعُرُوضَ لَا تَصْلُحُ رَأْسَ مَالِ الشَّرِكَةِ، وَتَأْوِيلُهُ إذَا كَانَ قِيمَةُ مَتَاعِهِمَا عَلَى السَّوَاءِ، وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ يَبِيعُ صَاحِبُ الْأَقَلِّ بِقَدْرِ مَا تَثْبُتُ بِهِ الشَّرِكَةُ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَإِذَا أَرَادَ الشَّرِكَةَ فِي الْعُرُوضِ بَاعَ كُلٌّ مِنْهُمَا نِصْفَ عَرَضِهِ بِنِصْفِ عَرَضِ الْآخَرِ فَتَصِيرُ شَرِكَةَ مِلْكٍ، ثُمَّ عَقَدَا الشَّرِكَةَ مُفَاوَضَةً أَوْ عِنَانًا) فَقِيلَ هَذَا عَلَى قِيَاسِ قول مُحَمَّدٍ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، وَعَلَى قِيَاسِ قول أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ تَكُونَ مُضَافَةً إلَى حَالِ بَيْعِهِمَا الْعُرُوضَ بِالدَّرَاهِمِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مُضَافٌ إلَى الْمُسْتَقْبَلِ، وَعَقْدُ الشَّرِكَةِ يَحْتَمِلُ الْإِضَافَةَ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ تَوْكِيلٍ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْعَقْدُ بِالدَّرَاهِمِ.
وَالْحَقُّ أَنَّ جَوَازَ هَذَا لَا يَخْتَصُّ بِقول وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَقَدْ تَوَارَدَتْ كَلِمَةُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ عَلَيْهِ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ كَوْنِ رَأْسِ مَالِ الشَّرِكَةِ عُرُوضًا كُلٌّ مِنْ أَمْرَيْنِ: لُزُومِ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ وَجَهَالَةِ رَأْسِ مَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا عِنْدَ الْقِسْمَةِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُنْتَفٍ فَيَكُونُ كَمَا رَبِحَهُ أَحَدُهُمَا مَا هُوَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ، وَلَا تَحْصُلُ جَهَالَةٌ فِي رَأْسِ مَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَعَرُّفِ رَأْسِ مَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا عِنْدَ الْقِسْمَةِ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ بِالْحَزْرِ فَتَقَعُ الْجَهَالَةُ؛ لِأَنَّهُمَا مُسْتَوِيَانِ فِي الْمَالِ شَرِيكَانِ فِيهِ، فَبِالضَّرُورَةِ يَكُونُ كُلُّ مَا يَحْصُلُ مِنْ الثَّمَنِ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، وَعَلَى هَذَا فَقول الْمُصَنِّفِ وَهَذِهِ شَرِكَةُ مِلْكٍ مُشْكِلٌ، وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ جَزَمَ بِأَنَّهُ قَصَدَ إلَى الْخِلَافِ حَقِيقَةً اخْتِيَارًا مِنْهُ لِعَدَمِ الْجَوَازِ وَإِنْ لَمْ يَضَعْهُ عَلَى طَرِيقِهِ الْخِلَافِ كَمَا قَالَ الْقُدُورِيُّ أَوَّلَ الْكِتَابِ: وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُتَوَضِّئِ أَنْ يَنْوِيَ الطَّهَارَةَ فَقَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالنِّيَّةُ فِي الْوُضُوءِ سُنَّةٌ، وَلَمْ يَضَعْ الْخِلَافَ وَضْعَهُ الْمَعْرُوفَ، وَلِذَا اخْتَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ عَدَمَ جَوَازِ الشَّرِكَةِ لِبَقَاءِ جَهَالَةِ رَأْسِ الْمَالِ وَالرِّبْحِ عِنْدَ الْقِسْمَةِ، وَلَا يَخْفَى ضَعْفُ هَذَا، وَفَسَادُهَا بِالْعُرُوضِ لَيْسَ لِذَاتِ الْعُرُوضِ بَلْ لِلَّازِمِ الْبَاطِلِ وَعَلِمْت أَنَّهُ مُنْتَفٍ.

متن الهداية:
قَالَ: (وَأَمَّا شَرِكَةُ الْعِنَانِ فَتَنْعَقِدُ عَلَى الْوَكَالَةِ دُونَ الْكَفَالَةِ، وَهِيَ أَنْ يَشْتَرِكَ اثْنَانِ فِي نَوْعِ بُرٍّ أَوْ طَعَامٍ، أَوْ يَشْتَرِكَانِ فِي عُمُومِ التِّجَارَاتِ وَلَا يَذْكُرَانِ الْكَفَالَةَ)، وَانْعِقَادُهُ عَلَى الْوَكَالَةِ لِتَحَقُّقِ مَقْصُودِهِ كَمَا بَيَّنَّاهُ، وَلَا تَنْعَقِدُ عَلَى الْكَفَالَةِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْأَعْرَاضِ يُقَالُ عَنَّ لَهُ: أَيْ عَرَضَ، وَهَذَا لَا يُنْبِئُ عَنْ الْكَفَالَةِ وَحُكْمُ التَّصَرُّفِ لَا يَثْبُتُ بِخِلَافِ مُقْتَضَى اللَّفْظِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَأَمَّا شَرِكَةُ الْعِنَانِ فَتَنْعَقِدُ عَلَى الْوَكَالَةِ دُونَ الْكَفَالَةِ، وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِكَ اثْنَانِ فِي نَوْعٍ مِنْ التِّجَارَاتِ بُرٍّ أَوْ طَعَامٍ أَوْ يَشْتَرِكَا فِي عُمُومِ التِّجَارَاتِ وَلَا يَذْكُرَانِ الْكَفَالَةَ)؛ لِأَنَّهَا خَاصَّةٌ بِالْمُفَاوَضَةِ، وَعَلَى هَذَا فَلَوْ ذَكَرَاهَا وَكَانَتْ بَاقِي شُرُوطِهَا مُتَوَفِّرَةً انْعَقَدَتْ مُفَاوَضَةً لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ لَفْظِ الْمُفَاوَضَةِ فِي انْعِقَادِهَا بَعْدَ ذِكْرِ جَمِيعِ مُقْتَضَيَاتِهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُتَوَفِّرَةً يَنْبَغِي أَنْ تَنْعَقِدَ عِنَانًا، ثُمَّ هَلْ تَبْطُلُ الْكَفَالَةُ؟ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: تَبْطُلُ لِأَنَّ الْعِنَانَ مُعْتَبَرٌ فِيهَا عَدَمُ الْكَفَالَةِ.
وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: لَا تَبْطُلُ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهَا عَدَمُ اعْتِبَارِ الْكَفَالَةِ لَا اعْتِبَارُ عَدَمِهَا فَتَصِحُّ عِنَانًا، ثُمَّ كَفَالَةُ كُلٍّ الْآخَرَ زِيَادَةٌ عَلَى نَفْسِ الشَّرِكَةِ: أَيْ كَمَا أَنَّهَا تَكُونُ عِنَانًا مَعَ الْعُمُومِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الثَّابِتَ فِيهَا عَدَمُ اعْتِبَارِ الْعُمُومِ لَا اعْتِبَارُ عَدَمِ الْعُمُومِ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ قَدْ يُرَجَّحُ بِأَنَّ هَذِهِ الْكَفَالَةَ لِمَجْهُولٍ فَلَا تَصِحُّ إلَّا ضِمْنًا، فَإِذَا لَمْ تَكُنْ مِمَّا تَتَضَمَّنُهَا الشَّرِكَةُ لَمْ يَكُنْ ثُبُوتُهَا إلَّا قَصْدًا فَلَا تَصِحُّ، بِخِلَافِ مَا لَوْ عَقَدَ الْمُفَاوَضَةَ بِغَيْرِ لَفْظِ الْمُفَاوَضَةِ بِأَنْ ذَكَرَا كُلَّ مُقْتَضَيَاتِهَا فَإِنَّ مِنْهَا الْكَفَالَةَ وَتَصِحُّ، فَإِنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ بِمَنْزِلَةِ الِاسْمِ الْمُرَكَّبِ الْمُرَادِفِ لِلْمُفْرَدِ الدَّاخِلِ فِي مَفْهُومِهِ الْكَفَالَةُ، بِخِلَافِ الْعِنَانِ لَيْسَ الْمُفْرَدُ مُعْتَبَرًا فِي مَفْهُومِهِ الْكَفَالَةُ.
قولهُ: (مِنْ عَنَّ لِي كَذَا) أَيْ عَرَضَ.
قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
فَعَنَّ لَنَا سِرْبٌ كَأَنَّ نِعَاجَهُ ** عَذَارَى دُوَارٍ فِي مُلَاءٍ مُذَيَّلٍ

أَيْ اعْتَرَضَ لَنَا سِرْبٌ: أَيْ قَطِيعٌ يُرِيدُ مِنْ بَقَرِ الْوَحْشِ كَأَنَّ نِعَاجَهُ عَذَارَى: أَيْ أَبْكَارَ دُوَارٍ، وَهُوَ اسْمُ صَنَمٍ كَانَتْ الْعَرَبُ تَنْصِبُهُ وَتَدُورُ حَوْلَهُ، وَهُوَ بِضَمِّ الدَّالِ وَفَتْحِهَا.
وَقولهُ فِي مُلَاءٍ تَشْبِيهٌ لِنِعَاجِ الْبَقَرِ فِي اسْتِرْخَاءِ لَحْمِهَا لِسِمَنِهَا بِالْعَذَارَى، وَالْمُلَاءُ الْمُذَيَّلُ: أَيْ الطَّوِيلَاتُ الذَّيْلُ، وَهَذَا الِاشْتِقَاقُ لَا يَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ بَلْ عُرُوضُ عَرَضٍ تَعَلَّقَ بِقَدْرٍ مِنْ الِاخْتِلَاطِ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ وَعُمُومُهُ، وَقِيلَ مَأْخُوذٌ مِنْ عِنَانِ الْفَرَسِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْكِسَائِيُّ وَالْأَصْمَعِيُّ، فَإِنَّهُ فِعْلُ كُلٍّ مِنْهُمَا عِنَانَ التَّصَرُّفِ فِي بَعْضِ مَالِهِ لِرَفِيقِهِ وَبَعْضِهِ لِنَفْسِهِ، أَوْ لِأَنَّهُ يَجُوزُ تَفَاوُتُهُمَا فِي الْمَالِ وَالرِّبْحِ كَمَا يَتَفَاوَتُ الْعِنَانُ فِي كَفِّ الْفَارِسِ طُولًا وَقِصَرًا فِي حَالَتَيْ الْإِرْخَاءِ وَضِدِّهِ، إلَّا أَنَّهُ اشْتِقَاقٌ غَيْرُ صَحِيحٍ إلَّا فِيمَا سُمِعَ وَلَا بُدَّ مِنْهُ كَمَا فِي: اسْتَحْجَرَ الطِّينُ وَأَمْثَالِهِ.

متن الهداية:
(وَيَصِحُّ التَّفَاضُلُ فِي الْمَالِ) لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ وَلَيْسَ مِنْ قَضِيَّةِ اللَّفْظِ الْمُسَاوَاةُ. (وَيَصِحُّ أَنْ يَتَسَاوَيَا فِي الْمَالِ وَيَتَفَاضَلَا فِي الرِّبْحِ).
وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: لَا تَجُوزُ لِأَنَّ التَّفَاضُلَ فِيهِ يُؤَدِّي إلَى رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ، فَإِنَّ الْمَالَ إذَا كَانَ نِصْفَيْنِ وَالرِّبْحَ أَثْلَاثًا فَصَاحِبُ الزِّيَادَةِ يَسْتَحِقُّهَا بِلَا ضَمَانٍ، إذْ الضَّمَانُ بِقَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ، وَلِأَنَّ الشَّرِكَةَ عِنْدَهُمَا فِي الرِّبْحِ لِلشَّرِكَةِ فِي الْأَصْلِ، وَلِهَذَا يَشْتَرِطَانِ الْخَلْطَ، فَصَارَ رِبْحُ الْمَالِ بِمَنْزِلَةِ نَمَاءِ الْأَعْيَانِ فَيُسْتَحَقُّ بِقَدْرِ الْمِلْكِ فِي الْأَصْلِ.
وَلَنَا قولهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم: «الرِّبْحُ عَلَى مَا شَرَطَا، وَالْوَضِيعَةُ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ» وَلَمْ يَفْصِلْ، وَلِأَنَّ الرِّبْحَ كَمَا يُسْتَحَقُّ بِالْمَالِ يُسْتَحَقُّ بِالْعَمَلِ كَمَا فِي الْمُضَارَبَةِ؛ وَقَدْ يَكُونُ أَحَدُهُمَا أَحْذَقَ وَأَهْدَى وَأَكْثَرَ عَمَلًا وَأَقْوَى فَلَا يَرْضَى بِالْمُسَاوَاةِ فَمَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى التَّفَاضُلِ، بِخِلَافِ اشْتِرَاطِ جَمِيعِ الرِّبْحِ لِأَحَدِهِمَا لِأَنَّهُ يَخْرُجُ الْعَقْدُ بِهِ مِنْ الشَّرِكَةِ وَمِنْ الْمُضَارَبَةِ أَيْضًا إلَى قَرْضٍ بِاشْتِرَاطِهِ لِلْعَامِلِ أَوْ إلَى بِضَاعَةٍ بِاشْتِرَاطِهِ لِرَبِّ الْمَالِ، وَهَذَا الْعَقْدُ يُشْبِهُ الْمُضَارَبَةَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَعْمَلُ فِي مَالِ الشَّرِيكِ، وَيُشْبِهُ الشَّرِكَةَ اسْمًا وَعَمَلًا فَإِنَّهُمَا يَعْمَلَانِ فَعَمِلْنَا بِشَبَهِ الْمُضَارَبَةِ.
وَقُلْنَا: يَصِحُّ اشْتِرَاطُ الرِّبْحِ مِنْ غَيْرِ ضَمَانٍ وَيُشْبِهُ الشَّرِكَةَ حَتَّى لَا تَبْطُلُ بِاشْتِرَاطِ الْعَمَلِ عَلَيْهَا.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَيَصِحُّ أَنْ يَتَسَاوَيَا فِي رَأْسِ الْمَالِ وَيَتَفَاضَلَا فِي الرِّبْحِ) وَعَكْسُهُ بِأَنْ يَتَفَاضَلَا فِي رَأْسِ الْمَالِ وَيَتَسَاوَيَانِ فِي الرِّبْحِ وَهُوَ قول أَحْمَدَ.
وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَزُفَرُ: لَا يَجُوزُ.
وَقولهُ وَيَتَفَاضَلَا إلَخْ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ، بَلْ ذَلِكَ فِيمَا إذَا شَرَطَا الْعَمَلَ عَلَيْهِمَا سَوَاءٌ عَمِلَ أَوْ عَمِلَ أَحَدُهُمَا، أَوْ شَرَطَاهُ عَلَى مَنْ شَرَطَ لَهُ زِيَادَةَ الرِّبْحِ، وَإِنْ شَرَطَا الْعَمَلَ عَلَى أَقَلِّهِمَا رِبْحًا لَا يَجُوزُ.
وَجْهُ قول الثَّلَاثَةِ أَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ أَحَدِهِمَا لِتِلْكَ الزِّيَادَةِ بِلَا ضَمَانٍ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ بِقَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ، وَصَارَ كَالْوَضِيعَةِ فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا عَلَى قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ اعْتِبَارٌ لِلرِّبْحِ بِالْخُسْرَانِ (وَلَنَا) مَا ذَكَرَ الْمَشَايِخُ مِنْ (قولهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «الرِّبْحُ عَلَى مَا شَرَطَا، وَالْوَضِيعَةُ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ») وَلَمْ يُعْرَفْ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ، وَبَعْضُ الْمَشَايِخِ يَنْسُبُهُ إلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (وَلِأَنَّ الرِّبْحَ كَمَا يُسْتَحَقُّ بِالْمَالِ يُسْتَحَقُّ بِالْعَمَلِ كَمَا فِي الْمُضَارَبَةِ، وَقَدْ يَكُونُ أَحَدُهُمَا أَحْذَقَ وَأَكْثَرَ عَمَلًا وَأَقْوَى فَلَا يَرْضَى بِالْمُسَاوَاةِ فَمَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى التَّفَاضُلِ، وَ) رَأَيْنَا (هَذَا الْعَقْدَ) أَيْ شَرِكَةَ الْعِنَانِ (يُشْبِهُ الْمُضَارَبَةَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَعْمَلُ فِي مَالِ) غَيْرِهِ وَهُوَ (الشَّرِيكُ) وَيَسْتَرْبِحُ بِهِ (وَيُشْبِهُ شَرِكَةَ الْمُفَاوَضَةِ اسْمًا وَعَمَلًا فَإِنَّهُمَا يَعْمَلَانِ فَعَمَلُنَا بِشَبَهِ الْمُضَارَبَةَ) فِي اشْتِرَاطِ الزِّيَادَةِ لِأَحَدِهِمَا، وَهُوَ الَّذِي شَرَطَ عَمَلَهُ مُنْفَرِدًا أَوْ مَعَ الْآخَرِ وَإِنْ كَانَ رِبْحًا بِلَا ضَمَانٍ، وَيُشْبِهُ الْمُفَاوَضَةَ حَتَّى أَجَزْنَا شَرْطَ الْعَمَلِ عَلَيْهِمَا، وَكَوْنُ الْمُضَارَبَةِ تَفْسُدُ بِاشْتِرَاطِ الْعَمَلِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ لَا يُبْطِلُ اعْتِبَارَ شَبَهِهَا الْآخَرِ الَّذِي بِاعْتِبَارِهِ أَجَزْنَا الزِّيَادَةَ فِي الرِّبْحِ لِأَحَدِهِمَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ شُرِطَ كُلُّ الرِّبْحِ لِأَحَدِهِمَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ حِينَئِذٍ يَخْرُجُ عَنْ الشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ أَيْضًا إلَى قَرْضٍ إنْ شُرِطَ لِلْعَامِلِ، كَأَنَّهُ أَقْرَضَهُ مَالَهُ فَاسْتَحَقَّ جَمِيعَ رِبْحِهِ، وَإِلَى بِضَاعَةٍ إنْ شُرِطَ لِرَبِّ الْمَالِ، إلَّا أَنَّهُ يَرُدُّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمُضَارَبَةَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهَا فَلَا يُعْتَبَرُ شَبَهُهَا إلَّا أَنْ يَمْنَعَ، وَيُقَالُ بَلْ الرِّبْحُ يُسْتَحَقُّ فِي الشَّرْعِ تَارَةً بِالْعَمَلِ وَتَارَةً بِالْمَالِ، وَالْمَشْرُوطُ لَهُ الزِّيَادَةُ مَشْرُوطٌ عَمَلُهُ، وَإِنْ شَرَطَ عَمَلَ الْآخَرِ، لَكِنْ قَدْ يَكُونُ ذَلِكَ أَحَذَقَ وَأَقْوَى إلَخْ.

متن الهداية:
قَالَ: (وَيَجُوزُ أَنْ يَعْقِدَهَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِبَعْضِ مَالِهِ دُونَ الْبَعْضِ) لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ فِي الْمَالِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِيهِ إذْ اللَّفْظُ لَا يَقْتَضِيهِ (وَلَا يَصِحُّ إلَّا بِمَا بَيَّنَّا) أَنَّ الْمُفَاوَضَةَ تَصِحُّ بِهِ لِلْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ (وَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِكَا وَمِنْ جِهَةِ أَحَدِهِمَا دَنَانِيرُ وَمِنْ الْآخَرِ دَرَاهِمُ، وَكَذَا مِنْ أَحَدِهِمَا دَرَاهِمُ بِيضٌ وَمِنْ الْآخَرِ سُودٌ) وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِ الْخَلْطِ وَعَدَمِهِ فَإِنَّ عِنْدَهُمَا شَرْطٌ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي مُخْتَلِفِي الْجِنْسِ، وَسَنُبَيِّنُهُ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَالَ: (وَمَا اشْتَرَاهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلشَّرِكَةِ طُولِبَ بِثَمَنِهِ دُونَ الْآخَرِ لِمَا بَيَّنَّا) أَنَّهُ يَتَضَمَّنُ الْوَكَالَةَ دُونَ الْكَفَالَةِ، وَالْوَكِيلُ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْحُقُوقِ.
قَالَ: (ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِحِصَّتِهِ مِنْهُ) مَعْنَاهُ إذَا أَدَّى مِنْ مَالِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ مِنْ جِهَتِهِ فِي حِصَّتِهِ فَإِذَا نَقَدَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ رَجَعَ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ لَا يَعْرِفُ ذَلِكَ إلَّا بِقولهِ فَعَلَيْهِ الْحُجَّةُ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي وُجُوبَ الْمَالِ فِي ذِمَّةِ الْآخَرِ وَهُوَ يُنْكِرُ، وَالْقول لِلْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (إذْ اللَّفْظُ) أَيْ لَفْظُ الْعِنَانِ (لَا يَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ) وَلَا يُنْبِئُ عَنْهُ لِيُعْتَبَرَ فِي مَفْهُومِهِ فَلِذَا جَازَ أَنْ يَعْقِدَهَا كُلٌّ بِبَعْضِ مَالِهِ، وَيَجُوزُ إذَا كَانَ مِنْ جِهَةِ أَحَدِهِمَا دَنَانِيرُ وَمِنْ الْآخَرِ دَرَاهِمُ، وَيَجُوزُ بِدَرَاهِمَ سُودٍ مِنْ جِهَةِ أَحَدِهِمَا وَبِيضٍ مِنْ جِهَةِ الْآخَرِ، وَإِنْ تَفَاوَتَتْ قِيمَتُهُمَا وَالرِّبْحُ عَلَى مَا شُرِطَ فِيهَا تَسَاوَيَا أَوْ تَفَاوَتَا عَلَى قَدْرِ قِيمَةِ دَرَاهِمِهِمَا بِشَرْطِهِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ.

متن الهداية:
قَالَ: (وَإِذَا هَلَكَ مَالُ الشَّرِكَةِ أَوْ أَحَدُ الْمَالَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَا شَيْئًا بَطَلَتْ الشَّرِكَةُ) لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي عَقْدِ الشَّرِكَةِ الْمَالُ، فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ فِيهِ كَمَا فِي الْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ، وَبِهَلَاكِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ يَبْطُلُ الْعَقْدُ كَمَا فِي الْبَيْعِ، بِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ وَالْوَكَالَةِ الْمُفْرَدَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ الثَّمَنَانِ فِيهِمَا بِالتَّعْيِينِ، وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنَانِ بِالْقَبْضِ عَلَى مَا عُرِفَ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا هَلَكَ الْمَالَانِ، وَكَذَا إذَا هَلَكَ أَحَدُهُمَا؛ لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ بِشَرِكَةِ صَاحِبِهِ فِي مَالِهِ إلَّا لِيُشْرِكَهُ فِي مَالِهِ، فَإِذَا فَاتَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِشَرِكَتِهِ فَيَبْطُلُ الْعَقْدُ لِعَدَمِ فَائِدَتِهِ، وَأَيُّهُمَا هَلَكَ هَلَكَ مِنْ مَالِ صَاحِبِهِ؛ إنْ هَلَكَ فِي يَدِهِ فَظَاهِرٌ، وَكَذَا إذَا كَانَ هَلَكَ فِي يَدِ الْآخَرِ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْخَلْطِ حَيْثُ يَهْلِكُ عَلَى الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَيَّزُ فَيُجْعَلُ الْهَالِكُ مِنْ الْمَالَيْنِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَإِذَا هَلَكَ مَالُ الشَّرِكَةِ كُلُّهُ بَطَلَتْ الشَّرِكَةُ) وَكَذَا لَوْ هَلَكَ أَحَدُ الْمَالَيْنِ قَبْلَ الْخَلْطِ وَقَبْلَ الشِّرَاءِ يَهْلِكُ مِنْ مَالِ صَاحِبِهِ وَحْدِهُ سَوَاءٌ هَلَكَ فِي يَدِ مَالِكِهِ أَوْ يَدِ شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْخَلْطِ حَيْثُ يَهْلِكُ عَلَيْهِمَا لِعَدَمِ التَّمْيِيزِ فَتَبْطُلُ الشَّرِكَةُ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ مَالَ كُلِّ وَاحِدٍ قَبْلَ الشِّرَاءِ وَقَبْلَ الْخَلْطِ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ، وَأَمَّا بُطْلَانُ الشَّرِكَةِ (فَلِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ عَقْدُ الشَّرِكَةِ هُوَ الْمَالُ) الْمُعَيَّنُ (لِأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فِي الشَّرِكَةِ) وَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ (وَبِهَلَاكِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ يَبْطُلُ الْعَقْدُ كَمَا فِي الْبَيْعِ، بِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ وَالْوَكَالَةِ الْمُفْرَدَةِ لَا يَتَعَيَّنُ الْمَالُ فِيهِمَا بِالتَّعْيِينِ، وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنَانِ بِالْقَبْضِ) حَتَّى لَوْ اشْتَرَى الْوَكِيلُ بِمِثْلِ ذَلِكَ الْمَالِ فِي ذِمَّتِهِ كَانَ مُشْتَرِيًا لِمُوَكِّلِهِ، حَتَّى لَوْ هَلَكَ الْمَالُ بَعْدَ الشِّرَاءِ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمِثْلِهِ، أَمَّا لَوْ هَلَكَ قَبْلَ الشِّرَاءِ فَإِنَّمَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ لَمْ يَرْضَ بِكَوْنِ الثَّمَنِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَلَا تَبْطُلُ الْمُضَارَبَةُ وَالْوَكَالَةُ الْمُفْرَدَةُ بِهَلَاكِ الْمَالِ.
وَاحْتُرِزَ بِالْمُفْرَدَةِ عَنْ الْوَكَالَةِ الثَّابِتَةِ فِي ضِمْنِ الشَّرِكَةِ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ بِبُطْلَانِ الشَّرِكَةِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا هَلَكَ الْمَالَانِ (وَكَذَا إذَا هَلَكَ أَحَدُهُمَا لِأَنَّهُ) أَيْ الشَّرِيكُ الَّذِي لَمْ يَهْلِكْ مَالُهُ (لَمْ يَرْضَ بِشَرِكَةِ صَاحِبِهِ فِي مَالِهِ إلَّا لِيُشْرِكَهُ) هُوَ أَيْضًا (فِي مَالِهِ) بِتَقْدِيرِ بَقَائِهِ، (فَإِذَا فَاتَ ذَلِكَ) ظَهَرَ وُقُوعُ مَا (لَمْ يَكُنْ رَاضِيًا) بِهِ عِنْدَ عَقْدِ الشَّرِكَةِ (فَيَبْطُلُ الْعَقْدُ لِعَدَمِ فَائِدَتِهِ) وَهِيَ الِاشْتِرَاكُ فِيمَا يَحْصُلُ.

متن الهداية:
(وَإِنْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا بِمَالِهِ وَهَلَكَ مَالُ الْآخَرِ قَبْلَ الشِّرَاءِ فَالْمُشْتَرَى بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا) لِأَنَّ الْمِلْكَ حِينَ وَقَعَ وَقَعَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا لِقِيَامِ الشَّرِكَةِ وَقْتَ الشِّرَاءِ فَلَا يَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ بِهَلَاكِ مَالِ الْآخَرِ بَعْدَ ذَلِكَ، ثُمَّ الشَّرِكَةُ شَرِكَةُ عَقْدٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِلْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ، حَتَّى إنَّ أَيَّهُمَا بَاعَ جَازَ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ قَدْ تَمَّتْ فِي الْمُشْتَرَى فَلَا يُنْتَقَضُ بِهَلَاكِ الْمَالِ بَعْدَ تَمَامِهَا.
قَالَ: (وَيَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِحِصَّةٍ مِنْ ثَمَنِهِ) لِأَنَّهُ اشْتَرَى نِصْفَهُ بِوَكَالَتِهِ وَنَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ، هَذَا إذَا اشْتَرَى أَحَدُهُمَا بِأَحَدِ الْمَالَيْنِ أَوَّلًا ثُمَّ هَلَكَ مَالُ الْآخَرِ.
أَمَّا إذَا هَلَكَ مَالُ أَحَدِهِمَا ثُمَّ اشْتَرَى الْآخَرُ بِمَالٍ الْآخَرِ، إنْ صَرَّحَا بِالْوَكَالَةِ فِي عَقْدِ الشَّرِكَةِ فَالْمُشْتَرَى مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ إنْ بَطَلَتْ فَالْوَكَالَةُ الْمُصَرَّحُ بِهَا قَائِمَةٌ فَكَانَ مُشْتَرَكًا بِحُكْمِ الْوَكَالَةِ، وَيَكُونُ شَرِكَةَ مِلْكٍ وَيَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ لِمَا بَيَّنَّاهُ، وَإِنْ ذَكَرَا مُجَرَّدَ الشَّرِكَةِ وَلَمْ يَنُصَّا عَلَى الْوَكَالَةِ فِيهَا كَانَ الْمُشْتَرَى لِلَّذِي اشْتَرَاهُ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ الْوُقُوعَ عَلَى الشَّرِكَةِ لَهُ حُكْمُ الْوَكَالَةِ الَّتِي تَضَمَّنَتْهَا الشَّرِكَةُ، فَإِذَا بَطَلَتْ يَبْطُلُ مَا فِي ضِمْنِهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا صَرَّحَ بِالْوَكَالَةِ لِأَنَّهَا مَقْصُودَةٌ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (فَإِنْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا بِمَالِهِ ثُمَّ هَلَكَ مَالُ الْآخَرِ فَالْمُشْتَرَى بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ حِينَ وَقَعَ وَقَعَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا لِقِيَامِ الشَّرِكَةِ وَقْتَ الشِّرَاءِ) لِأَنَّ الْهَلَاكَ لَمْ يَقَعْ قَبْلَهُ لِيُبْطِلَ فَيَخْتَصُّ الْمُشْتَرِي بِمَا اشْتَرَاهُ (فَلَا يَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ) أَيْ حُكْمُ (الشَّرِكَةِ بِهَلَاكِ مَالِ الْآخَرِ بَعْدَ ذَلِكَ ثُمَّ الشَّرِكَةُ).
الْوَاقِعَةُ فِي هَذَا الْمُشْتَرَى بَعْدَ هَلَاكِ مَالِ الْآخَرِ (شَرِكَةُ عَقْدٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِلْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ) فَإِنَّهَا شَرِكَةُ مِلْكٍ عِنْدَهُ حَتَّى لَا يَنْعَقِدَ بَيْعُ أَحَدِهِمَا إلَّا فِي نَصِيبِهِ.
وَجْهُ قولهِ أَنَّ شَرِكَةَ الْعَقْدُ بَطَلَتْ بِهَلَاكِ الْمَالِ فَصَارَ كَمَا لَوْ هَلَكَ قَبْلَ الشِّرَاءِ بِمَالِ الْآخَرِ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا حُكْمُ ذَلِكَ الشِّرَاءِ، وَهُوَ الْمِلْكُ فَيَلْزَمُ انْفِرَادُ الْمِلْكِ بِعَدَمِ مَا يُوجِبُ زِيَادَةً عَلَيْهِ.
وَلِمُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ هَلَاكَ مَالِ أَحَدِهِمَا إذَا وَقَعَ بَعْدَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِمَالِ الْآخَرِ وَهُوَ الشِّرَاءُ بِهَا فَلَا يَكُونُ الْهَلَاكُ مُبْطِلًا شَرِكَةَ الْعَقْدِ بَيْنَهُمَا بَعْدَ تَمَامِهَا كَمَا لَوْ كَانَ بَعْدَ الشِّرَاءِ بِالْمَالَيْنِ.
(وَإِذَا وَقَعَ الْمُشْتَرَى عَلَى الشَّرِكَةِ يَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ)؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى نِصْفَهُ لَهُ بِوَكَالَتِهِ وَنَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ (وَقَدْ بَيَّنَّاهُ) قَرِيبًا (هَذَا إذَا اشْتَرَى أَحَدُهُمَا بِأَحَدِ الْمَالَيْنِ أَوَّلًا ثُمَّ هَلَكَ مَالُ الْآخَرِ، أَمَّا إذَا هَلَكَ مَالُ أَحَدِهِمَا ثُمَّ اشْتَرَى الْآخَرُ) يَعْنِي الَّذِي فِي يَدِهِ الْمَالُ (بِالْمَالِ الْآخَرِ إنْ صَرَّحَا بِالْوَكَالَةِ فِي عَقْدِ الشَّرِكَةِ) بِأَنْ قَالَا عِنْدَ عَقْدِ الشَّرِكَةِ عَلَى أَنَّ مَا اشْتَرَاهُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِمَالِهِ هَذَا يَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَنَا، كَذَا صَوَّرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ (فَالْمُشْتَرَى مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ إنْ بَطَلَتْ فَالْوَكَالَةُ الْمُصَرَّحُ بِهَا قَائِمَةٌ فَتَكُونُ شَرِكَةَ مِلْكٍ) وَبِهَذَا جَمَعَ فِي الْمَبْسُوطِ بَيْنَ التَّنَاقُضِ الْوَاقِعِ فِي جَوَابِ الْمَسْأَلَةِ حَيْثُ قَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ: فَاشْتَرَى بِالْمَالِ الْبَاقِي بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ لِصَاحِبِهِ، وَفِي بَعْضِهَا: إنْ اشْتَرَى الْآخَرُ بِمَالِهِ بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ بَيْنَهُمَا، فَجَعَلَ مَحْمَلَ الْأَوَّلِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الشَّرِكَةِ وَكَالَةٌ مُصَرَّحٌ بِهَا، وَمَحْمَلَ الثَّانِي إذَا صَرَّحَا بِهَا عَلَى مَا ذُكِرَ.
وَقولهُ (لِمَا بَيَّنَّاهُ) يُرِيدُ قولهُ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ مِنْ جِهَتِهِ إلَخْ.

متن الهداية:
قَالَ: (وَتَجُوزُ الشَّرِكَةُ وَإِنْ لَمْ يَخْلِطَا الْمَالَ) وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: لَا تَجُوزُ لِأَنَّ الرِّبْحَ فَرْعُ الْمَالِ، وَلَا يَقَعُ الْفَرْعُ عَلَى الشَّرِكَةِ إلَّا بَعْدَ الشَّرِكَةِ فِي الْأَصْلِ وَأَنَّهُ بِالْخَلْطِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَحَلَّ هُوَ الْمَالُ وَلِهَذَا يُضَافُ إلَيْهِ، وَيُشْتَرَطُ تَعْيِينُ رَأْسِ الْمَالِ، بِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرِكَةٍ، وَإِنَّمَا هُوَ يَعْمَلُ لِرَبِّ الْمَالِ فَيَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ عِمَالَةً عَلَى عَمَلِهِ، أَمَّا هُنَا بِخِلَافِهِ، وَهَذَا أَصْلٌ كَبِيرٌ لَهُمَا حَتَّى يُعْتَبَرُ اتِّحَادُ الْجِنْسِ.
وَيُشْتَرَطُ الْخَلْطُ وَلَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِي الرِّبْحِ مَعَ التَّسَاوِي فِي الْمَالِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَتَجُوزُ الشَّرِكَةُ وَإِنْ لَمْ يَخْلِطَا الْمَالَ) وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى إلَّا أَنَّ مَالِكًا شَرَطَ أَنْ يَكُونَ تَحْتَ يَدِهِمَا بِأَنْ يَكُونَ فِي حَانُوتٍ أَوْ فِي يَدِ وَكِيلِهِمَا، (وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: لَا تَجُوزُ لِأَنَّ الرِّبْحَ فَرْعُ الْمَالِ، وَلَا يَكُونُ الْفَرْعُ عَلَى الشَّرِكَةِ إلَّا وَالْأَصْلُ عَلَى الشَّرِكَةِ، وَإِنَّهُ) أَيْ الشَّرِكَةُ فِي الْأَصْلِ عَلَى مَعْنَى الِاشْتِرَاكِ (بِالْخَلْطِ) لِمَا سَلَف مِنْ أَنَّ مَعْنَاهَا الِاخْتِلَاطُ أَوْ الْخَلْطُ عَلَى مَا حَقَّقْنَاهُ فَلَا تَتَحَقَّقُ شَرِكَةٌ بِلَا خَلْطٍ، وَقَدْ اتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي كُلِّ عَقْدٍ شَرْعِيٍّ مَا هُوَ مُقْتَضَى اسْمِهِ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهَذَا) أَيْ كَوْنُ الرِّبْحِ فَرْعَ الْمَالِ (أَصْلٌ كَبِيرٌ لَهُمَا) حَتَّى تَفَرَّعَ عَلَيْهِ (اعْتِبَارُ اتِّحَادِ الْجِنْسِ) فَلَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ إذَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا دَرَاهِمُ وَلِلْآخَرِ دَنَانِيرُ، وَلَا إذَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا بِيضٌ وَلِلْآخَرِ سُودٌ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْخَلْطِ وَالِاخْتِلَاطِ بِحَيْثُ لَا يَتَمَيَّزُ مَا لِأَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ، (وَلَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِي الرِّبْحِ مَعَ التَّسَاوِي فِي الْمَالِ) لِاخْتِلَافِ الشَّرِكَةِ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ، وَلَا شَرِكَةِ التَّقَبُّلِ وَالْأَعْمَالِ لِعَدَمِ الْمَالِ.

متن الهداية:
وَلَا تَجُوزُ شَرِكَةُ التَّقَبُّلِ وَالْأَعْمَالِ لِانْعِدَامِ الْمَالِ.
وَلَنَا أَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الرِّبْحِ مُسْتَنِدَةٌ إلَى الْعَقْدِ دُونَ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يُسَمَّى شَرِكَةً فَلَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِ مَعْنَى هَذَا الِاسْمِ فِيهِ فَلَمْ يَكُنْ الْخَلْطُ شَرْطًا، وَلِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ لَا يَتَعَيَّنَانِ فَلَا يُسْتَفَادُ الرِّبْحُ بِرَأْسِ الْمَالِ، وَإِنَّمَا يُسْتَفَادُ بِالتَّصَرُّفِ لِأَنَّهُ فِي النِّصْفِ أَصِيلٌ وَفِي النِّصْفِ وَكِيلٌ.
وَإِذَا تَحَقَّقَتْ الشَّرِكَةُ فِي التَّصَرُّفِ بِدُونِ الْخَلْطِ تَحَقَّقَتْ فِي الْمُسْتَفَادِ بِهِ وَهُوَ الرِّبْحُ بِدُونِهِ، وَصَارَ كَالْمُضَارَبَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ اتِّحَادُ الْجِنْسِ وَالتَّسَاوِي فِي الرِّبْحِ، وَتَصِحُّ شَرِكَةُ التَّقَبُّلِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَلَنَا أَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الرِّبْحِ مُسْتَنِدَةٌ إلَى الْعَقْدِ دُونَ الْمَالِ) حَاصِلُ تَقْرِيرِ الشَّارِحِينَ أَنَّ الرِّبْحَ يُضَافُ إلَى التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ وَهُوَ الْعِلَّةُ، وَإِلَى الْعَقْدِ الَّذِي هُوَ عِلَّةُ التَّصَرُّفِ، وَالْحُكْمُ كَمَا يُضَافُ إلَى الْعِلَّةِ يُضَافُ إلَى عِلَّةِ الْعِلَّةِ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى عِلَّةِ الْعِلَّةِ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ، فَإِنَّ الْحُكْمَ بِالذَّاتِ إنَّمَا يُضَافُ إلَى عِلَّتِهِ لِمَا عُرِفَ أَنْ لَا أَثَرَ لِلْعِلَّةِ الْبَعِيدَةِ فِي الْحُكْمِ، وَحَقِيقَةُ الْإِضَافَةِ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ مِنْ مَجَازِهَا فِي حُكْمٍ يَنْبَنِي عَلَى الْإِضَافَةِ، وَإِنَّمَا وَجْهُ التَّقْرِيرِ الْمُرَادِ أَنَّ الرِّبْحَ الْمُسْتَحَقَّ شَرْعًا لِكُلٍّ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ فِي مَالِ الْآخَرِ لَيْسَ مُضَافًا إلَّا إلَى الْعَقْدِ الشَّرْعِيِّ الَّذِي بِهِ حَلَّ تَصَرُّفُهُ فِي مَالِ غَيْرِهِ لَا إلَى نَفْسِ الْمَالِ وَلَا التَّصَرُّفِ فِيهِ، لِأَنَّ إضَافَةَ الرِّبْحِ إلَى التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ مَعْنَاهَا أَنَّهُ اُكْتُسِبَ عَنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ، وَلَيْسَ هَذَا بِمُفِيدٍ لَنَا إذْ هُوَ مَعْلُومٌ، وَإِنَّمَا حَاجَتُنَا إلَى ثُبُوتِ حِلِّ الرِّبْحِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَلَا شَكَّ أَنَّ حِلَّهُ إنَّمَا يُضَافُ إلَى الْعَقْدِ الشَّرْعِيِّ لَا التَّصَرُّفِ، فَإِنَّ نَفْسَ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ وَإِنْ كَانَ مَأْذُونًا فِيهِ شَرْعًا لَا يُوجِبُ حِلَّ الرِّبْحِ لِلْمُتَصَرِّفِ، كَمَا فِي الْمُبْضِعِ وَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ فَلَمْ يَحِلَّ إلَّا بِعَقْدِ الشَّرِكَةِ مُتَحَقِّقًا فِيهِ مَعْنَى اسْمِهِ فِيهِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْعَقْدَ الشَّرْعِيَّ يُسَمَّى شَرِكَةً، فَتَحَقُّقُ مَعْنَاهُ بِمَا يُفِيدُهُ شَرْعًا وَهُوَ الشَّرِكَةُ فِي الرِّبْحِ وَالتَّصَرُّفِ مَعًا لَا أَنَّ أَحَدَهُمَا عَنْ الْآخَرِ لِيَكُونَ عِلَّةَ الْعِلَّةِ، بَلْ التَّصَرُّفُ عِلَّةٌ فِي وُجُودِ الرِّبْحِ وَالْعَقْدُ عِلَّةُ حِلِّهِ، وَالْكَلَامُ لَيْسَ إلَّا فِيهِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَتَوَقَّفْ الِاسْمُ عَلَى خَلْطِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ مَحَلَّ الْعَقْدِ شَرْطٌ لِتَحَقُّقِهَا خَارِجٌ عَنْهُ.
ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ لَا يَتَعَيَّنَانِ يَعْنِي عِنْدَ الشِّرَاءِ بِهِمَا) مَا فِيهِ الرِّبْحُ حَتَّى جَازَ أَنْ يَدْفَعَ غَيْرَهُمَا فَلَمْ يَكُنْ الرِّبْحُ مُسْتَفَادًا بِعَيْنِ رَأْسِ الْمَالِ حَتَّى يَلْزَمَ فِيهِ بِالْخَلْطِ بَلْ بِالتَّصَرُّفِ، وَإِذَا ظَهَرَ تَحَقُّقُ الشَّرِكَةِ بِلَا خَلْطٍ (تَحَقَّقَتْ فِي الْمُسْتَفَادِ بِدُونِهِ) أَيْ بِدُونِ الْخَلْطِ (وَصَارَ كَالْمُضَارَبَةِ) تَتَحَقَّقُ الشَّرِكَةُ فِي الرِّبْحِ بِلَا خَلْطٍ.
فَإِنْ قِيلَ: فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا تَبْطُلَ بِهَلَاكِ الْمَالِ قَبْلَ الشِّرَاءِ لِوُجُودِ الْمَالِ وَقْتَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ انْعَقَدَ فِي الْمَحَلِّ.
قُلْنَا: إنَّمَا بَطَلَتْ لِمُعَارِضٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ هَلَاكَ الْمَحَلِّ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْعَقْدِ مِنْهُ يُبْطِلُهُ كَالْبَيْعِ يَبْطُلُ بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ عَقْدِ الشَّرِكَةِ الِاسْتِرْبَاحُ وَهُوَ بِالشِّرَاءِ أَوَّلًا، فَإِذَا هَلَكَ الْمَالُ قَبْلَ الشِّرَاءِ كَانَ كَهَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَإِذَا كَانَ الْأَصْلُ هُوَ الْعَقْدُ لَا الْمَالُ (لَمْ يُشْتَرَطْ اتِّحَادُ الْجِنْسِ وَلَا التَّسَاوِي) فِي رَأْسِ الْمَالِ وَلَا (فِي الرِّبْحِ وَتَصِحُّ شَرِكَةُ التَّقَبُّلِ).

متن الهداية:
قَالَ: (وَلَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ إذَا شُرِطَ لِأَحَدِهِمَا دَرَاهِمُ مُسَمَّاةً مِنْ الرِّبْحِ) لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُوجِبُ انْقِطَاعَ الشَّرِكَةِ فَعَسَاهُ لَا يُخْرِجُ إلَّا قَدْرَ الْمُسَمَّى لِأَحَدِهِمَا، وَنَظِيرُهُ فِي الْمُزَارَعَةِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ (وَلَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ إذَا شُرِطَ لِأَحَدٍ دَرَاهِمُ مُسَمَّاةً مِنْ الرِّبْحِ) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا خِلَافَ فِي هَذَا لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ.
وَوَجْهُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقولهِ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُوجِبُ انْقِطَاعَ الشَّرِكَةِ فَعَسَاهُ لَا يُخْرِجُ إلَّا قَدْرَ الْمُسَمَّى فَيَكُونُ اشْتِرَاطُ جَمِيعِ الرِّبْحِ لِأَحَدِهِمَا عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ، وَاشْتِرَاطُهُ لِأَحَدِهِمَا يُخْرِجُ الْعَقْدَ عَنْ الشَّرِكَةِ إلَى قَرْضٍ أَوْ بِضَاعَةٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
وَقولهُ (وَنَظِيرُهُ فِي الْمُزَارَعَةِ) يَعْنِي إذَا شَرَطَا لِأَحَدِهِمَا قُفْزَانًا مُسَمَّاةً بَطَلَتْ لِأَنَّهُ عَسَى أَنْ لَا تُخْرِجَ الْأَرْضُ غَيْرَهَا.

متن الهداية:
قَالَ: (وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَفَاوِضَيْنِ وَشَرِيكَيْ الْعِنَانِ أَنْ يُبْضِعَ الْمَالَ) لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ فِي عَقْدِ الشَّرِكَةِ، وَلِأَنَّ لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ عَلَى الْعَمَلِ، وَالتَّحْصِيلُ بِغَيْرِ عِوَضٍ دُونَهُ فَيَمْلِكَهُ، وَكَذَا لَهُ أَنْ يُودِعَهُ لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ وَلَا يَجِدُ التَّاجِرُ مِنْهُ بُدًّا.
قَالَ: (وَيَدْفَعُهُ مُضَارَبَةً)؛ لِأَنَّهَا دُونَ الشَّرِكَةِ فَتَتَضَمَّنَهَا.
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ نَوْعُ شَرِكَةٍ، وَالْأَصَحُّ هُوَ الْأَوَّلُ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ تَحْصِيلُ الرِّبْحِ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ بِأَجْرٍ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ تَحْصِيلٌ بِدُونِ ضَمَانٍ فِي ذِمَّتِهِ، بِخِلَافِ الشَّرِكَةِ حَيْثُ لَا يَمْلِكُهَا لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَسْتَتْبِعُ مِثْلَهُ.
قَالَ: (وَيُوَكِّلُ مَنْ يَتَصَرَّفُ فِيهِ) لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ وَالشَّرِكَةُ انْعَقَدَتْ لِلتِّجَارَةِ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ حَيْثُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ لِأَنَّهُ عَقْدٌ خَاصٌّ طُلِبَ مِنْهُ تَحْصِيلَ الْعَيْنِ فَلَا يَسْتَتْبِعُ مِثْلَهُ قَالَ: (وَيَدُهُ فِي الْمَالِ يَدُ أَمَانَةٍ) لِأَنَّهُ قَبَضَ الْمَالَ بِإِذْنِ الْمَالِكِ لَا عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ وَالْوَثِيقَةِ فَصَارَ كَالْوَدِيعَةِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَفَاوِضَيْنِ وَشَرِيكَيْ الْعِنَانِ أَنْ يُبْضِعَ الْمَالَ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ فِي عَقْدِ الشَّرِكَةِ) مِنْ الْمُتَشَارِكَيْنِ (وَلِأَنَّ لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ عَلَى عَمَلِ التِّجَارَةِ، وَالتَّحْصِيلُ) لِلرِّبْحِ (بِغَيْرِ عِوَضٍ دُونَهُ) وَأَنَّهُ أَقَلُّ ضَرَرًا، فَإِذَا مَلَكَ مَا هُوَ أَكْثَرُ ضَرَرًا مَلَكَ مَا هُوَ أَقَلُّ، وَظَهَرَ أَنَّ لَفْظَ التَّحْصِيلِ مَرْفُوعٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَخَبَرُهُ الظَّرْفُ.
قولهُ: (وَكَذَا لَهُ أَنْ يُودِعَهُ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ وَلَا يَجِدُ التَّاجِرُ بُدًّا مِنْهُ) فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَالْمَضَايِقِ.
وَقولهُ (وَيَدْفَعُهُ مُضَارَبَةً لِأَنَّهَا دُونَ الشَّرِكَةِ)؛ لِأَنَّ الْوَضِيعَةَ فِي الشَّرِكَةِ تَلْزَمُ الشَّرِيكَ وَلَا تَلْزَمُ الْمُضَارِبَ، فَتَتَضَمَّنُ الشَّرِكَةُ الْمُضَارَبَةَ (وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ) لِرِوَايَةِ الْحَسَنِ (أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ شَرِكَةٍ) فِي الرِّبْحِ (وَالْأَصَحُّ هُوَ الْأَوَّلُ وَهُوَ رِوَايَةُ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الرِّبْحِ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ تَحْصِيلُ الرِّبْحِ) فَصَارَ (كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ بِأُجْرَةٍ) لِيَعْمَلَ لَهُ بَعْضَ أَعْمَالِ التِّجَارَةِ (بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُ تَحْصِيلٌ بِدُونِ ضَمَانٍ فِي ذِمَّةِ الشَّرِيكِ، بِخِلَافِ الشَّرِكَةِ) فَإِنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ لَا يَمْلِكُ أَنْ يُشَارِكَ غَيْرَهُ فِي مَالِ الشَّرِكَةِ (لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَسْتَتْبِعُ مِثْلَهُ)، وَأُورِدَ عَلَيْهِ الْمُكَاتِبُ يُكَاتِبُ عَبْدَهُ وَالْمَأْذُونُ يَأْذَنُ لِعَبْدِهِ وَاقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ وَالْمُتَنَفِّلِ بِمِثْلِهِمَا، وَالنَّاسِخُ مِثْلُ الْمَنْسُوخِ.
وَأُجِيبُ بِأَنَّ مِلْكَهُمَا ذَلِكَ لَيْسَ بِطَرِيقِ الِاسْتِتْبَاعِ بَلْ بِإِطْلَاقِ التَّصَرُّفِ مُطْلَقًا، وَكَذَا الِاقْتِدَاءُ لَيْسَ صَلَاةُ الْإِمَامِ مُسْتَتْبِعَةً لِصَلَاتِهِمَا بَلْ تِلْكَ مَبْنِيَّةٌ عَلَيْهَا، وَحَقِيقَةُ النَّاسِخِ مُبَيِّنٌ لَا غَيْرُ، عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ وِزَانَ مَا نَحْنُ فِيهِ بِتَأَمُّلٍ يَسِيرٍ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يَشْتَرِيَ بِالنَّسِيئَةِ، وَإِنْ كَانَ مَالُ الشَّرِكَةِ فِي يَدِهِ اسْتِحْسَانًا، وَلَيْسَ لِأَحَدِ شَرِيكَيْ الْعِنَانِ الرَّهْنُ: أَيْ رَهْنُ عَيْنٍ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ بِدَيْنٍ مِنْ التِّجَارَةِ عَلَيْهِ وَالِارْتِهَانُ بِدَيْنٍ لَهُ، بِخِلَافِ الْمُفَاوِضِ لَهُ أَنْ يَرْهَنَ وَيَرْتَهِنَ عَلَى شَرِيكِهِ، فَإِنْ رَهَنَ فِي الْعِنَانِ مَتَاعًا مِنْ الشَّرِكَةِ بِدَيْنٍ عَلَيْهِمَا لَمْ يَجُزْ وَكَانَ ضَامِنًا لِلرَّهْنِ، وَلَوْ ارْتَهَنَ بِدَيْنٍ لَهُمَا لَمْ يَجُزْ عَلَى شَرِيكِهِ، فَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ وَقِيمَتُهُ وَالدَّيْنُ سَوَاءٌ ذَهَبَ بِحِصَّتِهِ، وَيَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِحِصَّتِهِ وَيَرْجِعُ الْمَطْلُوبُ بِنِصْفِ قِيمَةِ الرَّهْنِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، وَإِنْ شَاءَ شَرِيكُ الْمُرْتَهِنِ ضَمَّنَ شَرِيكَهُ حِصَّتَهُ مِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ هَلَاكَ الرَّهْنِ فِي يَدِهِ كَالِاسْتِيفَاءِ، وَكَذَا إذَا بَاعَ أَحَدُهُمَا فَلَيْسَ لِلْآخَرِ قَبْضُهُ، وَلِلْمَدِينِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ دَفْعِهِ، فَإِنْ دَفَعَهُ إلَيْهِ بَرِئَ مِنْ حِصَّةِ الْقَابِضِ، وَلَمْ يَبْرَأْ مِنْ حِصَّةِ الْآخَرِ، وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُخَاصِمَ فِيمَا أَدَانَهُ الْآخَرُ أَوْ بَاعَهُ، وَالْخُصُومَةُ لِلَّذِي بَاعَ وَعَلَيْهِ، وَلَا أَنْ يُؤَخِّرَ دَيْنًا، فَإِنْ أَخَّرَهُ لَمْ يَمْضِ عَلَى الْآخَرِ، وَكَذَا لَا يَمْضِي إقْرَارُ أَحَدِهِمَا بِدَيْنٍ فِي تِجَارَتِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، فَإِنْ أَقَرَّ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ لَزِمَ الْمُقِرَّ جَمِيعُ الدَّيْنِ إنْ كَانَ هُوَ الَّذِي وَلِيَهُ؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِالْعَاقِدِ وَكِيلًا كَانَ أَوْ مُبَاشِرًا، وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُمَا وَلِيَاهُ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ لَزِمَهُ نِصْفُهُ.
وَلَوْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا شَيْئًا فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ أَنْ يَرُدَّهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ، وَلَوْ أَخَذَ أَحَدُهُمَا مَالًا مُضَارَبَةً اخْتَصَّ بِرِبْحِهِ؛ لِأَنَّ مَالَ الْمُضَارَبَةِ لَيْسَ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ بِمَا لَيْسَ مِنْ شَرِكَتِهِمَا فَهُوَ جَائِزٌ، بِخِلَافِ الْمُفَاوِضِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ، وَيَمْضِي إقْرَارُهُ عَلَيْهِ وَيُشَارِكُ شَرِكَةَ عِنَانٍ وَيَمْضِي عَلَى الْآخَرِ، بِخِلَافِ شَرِيكِ الْعِنَانِ.
وَيَجُوزُ قَبْضُ كُلٍّ مِنْ الْمُتَفَاوِضَيْنِ مَا أَدَانَهُ الْآخَرُ أَوْ أَدَانَاهُ، أَوْ وَجَبَ لَهُمَا عَلَى رَجُلٍ مِنْ غَصْبٍ أَوْ كَفَالَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَيَرُدُّ بِعَيْبٍ مَا اشْتَرَاهُ الْآخَرُ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا خَصْمٌ عَنْ الْآخَرِ يُطَالَبُ بِمَا عَلَى صَاحِبِهِ، وَتُقَامُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ، وَيُسْتَحْلَفُ عَلَى الْعِلْمِ فِيمَا هُوَ مِنْ ضَمَانِ التِّجَارَةِ، وَتَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا أَوَّلَ الْبَابِ فِيمَا هُوَ مِنْ ضَمَانِ التِّجَارَةِ (وَ) لِكُلٍّ مِنْ شَرِيكَيْ الْعِنَانِ أَنْ (يُوَكِّلَ مَنْ يَتَصَرَّفُ فِيهِ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مِنْ أَعْمَالِ التِّجَارَاتِ، وَالشَّرِكَةُ انْعَقَدَتْ لَهَا بِخِلَافِ الْوَكِيلِ) صَرِيحًا (بِالشِّرَاءِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ خَاصٌّ طُلِبَ بِهِ) شِرَاءُ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ فَلَا يَسْتَتْبِعُ مِثْلَهُ، وَكُلُّ مَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَعْمَلَهُ إذَا نَهَاهُ شَرِيكُهُ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَمَلُهُ فَإِنْ عَمِلَهُ ضَمِنَ نَصِيبَ شَرِيكِهِ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا اُخْرُجْ لِدِمْيَاطَ وَلَا تُجَاوِزْهَا فَجَاوَزَ فَهَلَكَ الْمَالُ ضَمِنَ حِصَّةَ شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّهُ نَقَلَ حِصَّتَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَكَذَا لَوْ نَهَاهُ عَنْ بَيْعِ النَّسِيئَةِ بَعْدَ مَا كَانَ أَذِنَ لَهُ فِيهِ.
قولهُ: (وَيَدُهُ) أَيْ يَدُ الشَّرِيكِ مُطْلَقًا (فِي الْمَالِ يَدُ أَمَانَةٍ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ الْمَالَ بِإِذْنِ الْمَالِكِ لَا عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ وَالْوَثِيقَةِ) فَيَكُونُ أَمَانَةً، بِخِلَافِ الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ عَلَى وَجْهِ إعْطَاءِ الْبَدَلِ فَيَكُونُ مَضْمُونًا، بِخِلَافِ الرَّهْنِ فَإِنَّهُ مَقْبُوضٌ لِلتَّوَثُّقِ بِدَيْنِهِ فَيَضْمَنُ بِذَلِكَ الدَّيْنَ، وَإِذَا كَانَ مَقْبُوضًا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَا صَارَ كَالْوَدِيعَةِ فَكَانَ أَمَانَةً.
وَاعْلَمْ أَنَّ جَمِيعَ الْأَمَانَاتِ إذَا مَاتَ تَنْقَلِبُ مَضْمُونَةً بِالْمَوْتِ مَعَ التَّجْهِيلِ إلَّا فِي مَسَائِلَ: إحْدَاهَا إذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ وَلَمْ يُبَيِّنْ حَالَ الَّذِي كَانَ فِي يَدِهِ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ نَصِيبَهُ.
وَالْأُخْرَى فِي السِّيَر إذَا أَوْدَعَ الْإِمَامُ بَعْضَ الْغَنَائِمِ فِي دَارِ الْحَرْبِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ عِنْدَ بَعْضِ الْجُنْدِ فَمَاتَ.
وَنَذْكُرُ الثَّالِثَةَ فِي الْوَقْفِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
فُرُوعٌ فِي اخْتِلَافِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ:
قَدْ عُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ أَنْ يُقْرِضَ وَلَا يَهَبَ وَلَا يَتَصَدَّقَ وَلَا يُعِيرُ دَابَّةً مِنْ شَرِكَتِهِمَا؛ وَلَوْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّهُ شَارَكَهُ مُفَاوَضَةً فَأَنْكَرَ وَالْمَالُ فِي يَدِ الْجَاحِدِ فَالْقول قول الْجَاحِدِ مَعَ يَمِينِهِ، وَعَلَى الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةُ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الْعَقْدَ وَاسْتِحْقَاقَ مَا فِي يَدِهِ وَهُوَ مُنْكِرٌ، فَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ فَشَهِدُوا أَنَّهُ مُفَاوَضَةٌ أَوْ زَادُوا عَلَى هَذَا فَقَالُوا الْمَالُ الَّذِي فِي يَدِهِ مِنْ شَرِكَتِهِمَا، أَوْ قَالُوا هُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ قَضَى لِلْمُدَّعِي بِنِصْفِهِ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِالْإِقْرَارِ، وَجَمِيعُ مَا ذُكِرَ مُقْتَضَاهُ انْقِسَامُ مَا فِي يَدِهِ فَيُقْضَى بِذَلِكَ.
فَلَوْ ادَّعَى الَّذِي فِي يَدِهِ الْمَالُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْعَيْنَ لِي مِيرَاثًا مِمَّا فِي يَدِهِ، وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً قُبِلَتْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَلَمْ تُقْبَلْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ ذَا الْيَدِ صَارَ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ بِنِصْفِ مَا فِي يَدِهِ، وَبَيِّنَةُ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ فِي إثْبَاتِ الْمِلْكِ لَا تُقْبَلُ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ تَلَقِّي الْمِلْكِ مِنْ قِبَلِ الْمَقْضِيِّ لَهُ، كَمَا لَوْ كَانَتْ الشَّهَادَةُ مُفَسِّرَةً.
وَلَوْ ادَّعَى ذُو الْيَدِ عَيْنًا فِي يَدِهِ أَنَّهَا لَهُ خَاصَّةً وَهَبَ شَرِيكَهُ مِنْهُ حِصَّتَهُ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْهِبَةِ وَالْقَبْضِ قُبِلَتْ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا ادَّعَى تَلَقِّي الْمِلْكِ مِنْهُ، وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ مُفَاوَضَةٌ، وَالْمَالُ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَأَقَرَّ وَقَضَى عَلَيْهِ، ثُمَّ ادَّعَى عَيْنًا مِمَّا كَانَ فِي يَدِهِ أَوْ مِيرَاثًا أَوْ هِبَةً وَأَقَامَ بَيِّنَةً قُبِلَتْ.
وَالْفَرْقُ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ ذَا الْيَدِ هُنَا مُقِرٌّ بِالْمُفَاوَضَةِ مُدَّعٍ لِلْمِيرَاثِ، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا، وَقَدْ أَثْبَتَ دَعْوَاهُ بِالْبَيِّنَةِ، وَفِي الْأَوَّلِ ذُو الْيَدِ جَاحِدٌ مُدَّعًى عَلَيْهِ، وَقَدْ صَارَ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ بِحُجَّةِ صَاحِبِهِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ فِي صُورَةِ الْإِنْكَارِ لَمْ يَسْتَحْلِفْ خَصْمَهُ، وَإِذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ وَالْمَالُ فِي يَدِ الْحَيِّ فَادَّعَى الْوَرَثَةُ الْمُفَاوَضَةَ وَجَحَدَ الْحَيُّ ذَلِكَ فَأَقَامُوا الْبَيِّنَةَ بِذَلِكَ لَمْ يُقْضَ لَهُمْ بِشَيْءٍ فِيمَا فِي يَدِ الْحَيِّ؛ لِأَنَّهُمَا شَهِدَا بِعَقْدٍ عُلِمَ ارْتِفَاعُهُ لِانْتِقَاضِ الْمُفَاوَضَةِ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا، وَلِأَنَّهُ لَا حُكْمَ فِيمَا شَهِدَا بِهِ فِي الْمَالِ الَّذِي فِي يَدِهِ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ الْمُفَاوَضَةَ فِيمَا مَضَى لَا تُوجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ الَّذِي فِي يَدِهِ فِي الْحَالِ مِنْ شَرِكَتِهِمَا إلَّا أَنْ يُقِيمُوا أَنَّهُ كَانَ فِي يَدِهِ فِي حَيَاةِ الْمَيِّتِ، أَوْ أَنَّهُ مِنْ شَرِكَتِهِمَا فَإِنَّهُمْ حِينَئِذٍ شَهِدُوا بِالنِّصْفِ لِلْمَيِّتِ وَوَرَثَتُهُ خُلَفَاؤُهُ.
وَلَوْ كَانَ الْمَالُ فِي يَدِ الْوَرَثَةِ وَجَحَدُوا الشَّرِكَةَ فَأَقَامَ الْحَيُّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُفَاوَضَةِ، وَأَقَامُوا أَنَّ أَبَاهُمْ مَاتَ وَتَرَكَ هَذَا مِيرَاثًا مِنْ مُفَاوَضَةٍ بَيْنَهُمَا لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُمْ لِأَنَّهُمْ جَاحِدُونَ، فَإِنَّمَا يُقِيمُونَهَا عَلَى النَّفْيِ وَقَدْ أَثْبَتَ الْمُدَّعِي الشَّرِكَةَ فِيمَا فِي أَيْدِيهِمْ فَيُقْضَى لَهُ بِنِصْفِهِ، وَصَحَّحَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنَّ هَذَا قولهُمْ جَمِيعًا؛ وَلَوْ قَالُوا: مَاتَ جَدُّنَا وَتَرَكَهُ مِيرَاثًا لِأَبِينَا وَأَقَامُوا الْبَيِّنَةَ عَلَى هَذَا لَا تُقْبَلُ فِي قول أَبِي يُوسُفَ وَتُقْبَلُ فِي قول مُحَمَّدٍ، كَمَا لَوْ كَانَ الْمُفَاوِضُ حَيًّا وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ مَا شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَيْهِ بِالْمُفَاوَضَةِ الْمُطْلَقَةِ، وَإِذَا افْتَرَقَ الْمُتَفَاوِضَانِ فَأَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْمَالَ كُلَّهُ كَانَ فِي يَدِ صَاحِبِهِ، وَأَنَّ قَاضِيَ بَلْدَةِ كَذَا قَضَى بِذَلِكَ عَلَيْهِ، وَسَمَّوْا الْمَالَ، وَأَنَّهُ قَضَى بِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَأَقَامَ الْآخَرُ بِمِثْلِ ذَلِكَ مِنْ ذَلِكَ الْقَاضِي بِعَيْنِهِ أَوْ غَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ قَاضٍ وَاحِدٍ، وَعُلِمَ تَارِيخُ الْقَضَاءَيْنِ أُخِذَ بِالْآخِرِ، وَهُوَ رُجُوعٌ عَنْ الْأَوَّلِ وَنَقْضٌ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ أَوْ كَانَ الْقَضَاءُ مِنْ قَاضِيَيْنِ لَزِمَ كُلًّا مِنْهُمَا الْقَضَاءُ الَّذِي أَنْفَذَهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا صَحِيحٌ ظَاهِرًا فَيُحَاسِبُ كُلٌّ صَاحِبَهُ بِمَا عَلَيْهِ، وَيَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ.

متن الهداية:
قَالَ: (وَأَمَّا شَرِكَةُ الصَّنَائِعِ) وَتُسَمَّى شَرِكَةَ التَّقَبُّلِ (كَالْخَيَّاطِينَ وَالصَّبَّاغِينَ يَشْتَرِكَانِ عَلَى أَنْ يَتَقَبَّلَا الْأَعْمَالَ وَيَكُونُ الْكَسْبُ بَيْنَهُمَا) (فَيَجُوزُ ذَلِكَ) وَهَذَا عِنْدَنَا.
وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: لَا تَجُوزُ لِأَنَّ هَذِهِ شَرِكَةٌ لَا تُفِيدُ مَقْصُودَهَا وَهُوَ التَّثْمِيرُ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَهَذَا لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الرِّبْحِ تُبْتَنَى عَلَى الشَّرِكَةِ فِي الْمَالِ عَلَى أَصْلِهِمَا عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ.
وَلَنَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ التَّحْصِيلُ وَهُوَ مُمْكِنٌ بِالتَّوْكِيلِ، لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ وَكِيلًا فِي النِّصْفِ أَصِيلًا فِي النِّصْفِ تَحَقَّقَتْ الشَّرِكَةُ فِي الْمَالِ الْمُسْتَفَادِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَأَمَّا شَرِكَةُ الصَّنَائِعِ وَتُسَمَّى شَرِكَةَ التَّقَبُّلِ) وَشَرِكَةَ الْأَبْدَانِ وَشَرِكَةَ الْأَعْمَالِ (فَنَحْوَ الْخَيَّاطِينَ وَالصَّبَّاغِينَ يَشْتَرِكَانِ فِي أَنْ يَتَقَبَّلَ كُلٌّ الْأَعْمَالَ) أَوْ نَحْوَ الصَّبَّاغِ وَالْخَيَّاطِ يَفْعَلَانِ ذَلِكَ (وَيَكُونُ الْكَسْبُ بَيْنَهُمَا فَيَجُوزُ عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ لِأَنَّهَا شَرِكَةٌ لَا تُفِيدُ مَقْصُودَهَا) أَيْ الْمَقْصُودَ مِنْهَا، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: مَقْصُودَهُمَا بِالتَّثْنِيَةِ أَيْ الشَّرِيكَيْنِ (وَهُوَ التَّثْمِيرُ) أَيْ الرِّبْحُ (لِأَنَّهُ لَا بُدَّ) فِي الرِّبْحِ (مِنْ رَأْسِ الْمَالِ)؛ لِأَنَّهُ يُبْنَى عَلَيْهِ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ فِي الْخِلَافِ فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْخَلْطِ، (وَلَنَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ عَقْدِ الشَّرِكَةِ تَحْصِيلُ الرِّبْحِ) عَلَى الِاشْتِرَاكِ، وَهُوَ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَالِ بَلْ جَازَ بِالْعَمَلِ أَيْضًا كَمَا مَرَّ، فَجَازَ بِالتَّوْكِيلِ بِأَنْ وَكَّلَ الْآخَرَ بِقَبُولِ الْعَمَلِ عَلَيْهِ كَمَا يَقْبَلُهُ لِنَفْسِهِ فَيَكُونُ كُلٌّ أَصِيلًا فِي نِصْفِ الْعَمَلِ الْمُتَقَبَّلِ وَوَكِيلًا فِي نِصْفِهِ الْآخَرِ، فَتَتَحَقَّقُ الشَّرِكَةُ فِي الْمَالِ الْمُسْتَفَادِ عَنْ ذَلِكَ الْعَمَلِ، فَإِنْ عَمِلَا اسْتَحَقَّ كُلٌّ فَائِدَةَ عَمَلِهِ وَهُوَ الْمَالُ الْمُسْتَفَادُ وَهُوَ كَسْبُهُ، وَإِنْ عَمِلَ أَحَدُهُمَا كَانَ الْعَامِلُ مُعِينًا لِشَرِيكِهِ فِيمَا لَزِمَهُ بِتَقَبُّلِهِ عَلَيْهِ، وَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْمَشْرُوطَ مُطْلَقُ الْعَمَلِ لَا عَمَلُ الْمُتَقَبَّلِ بِنَفْسِهِ أَوْ وَكِيلِهِ بِنَفْسِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ نَحْوَ الْخَيَّاطِ يَتَقَبَّلُ ثُمَّ يَسْتَأْجِرُ مَنْ يَعْمَلُهُ وَيَدْفَعُهُ إلَى مَالِكِهِ فَتَطِيبُ لَهُ الْأُجْرَةُ.
وَمِنْ صُوَرِ هَذِهِ الشَّرِكَةِ أَنْ يَجْلِسَ آخَرُ عَلَى دُكَّانِهِ فَيَطْرَحَ عَلَيْهِ الْعَمَلَ بِالنِّصْفِ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ؛ لِأَنَّ مِنْ أَحَدِهِمَا الْعَمَلَ وَمِنْ الْآخَرِ الْحَانُوتَ، وَاسْتُحْسِنَ جَوَازُهَا؛ لِأَنَّ التَّقَبُّلَ مِنْ صَاحِبِ الْحَانُوتِ عَمَلٌ.

متن الهداية:
وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ اتِّحَادُ الْعَمَلِ وَالْمَكَانِ خِلَافًا لِمَالِكٍ وَزُفَرَ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمُجَوِّزَ لِلشَّرِكَةِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ لَا يَتَفَاوَتُ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ) أَيْ فِي جَوَازِ هَذِهِ الشَّرِكَةِ (اتِّحَادُ الْعَمَلِ وَالْمَكَانِ خِلَافًا لِزُفَرَ وَمَالِكٍ).
وَأُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَدَّمَ فِي اشْتِرَاطِ الْخَلْطِ لِزُفَرَ أَنَّ مِنْ ثَمَرَاتِهِ عَدَمَ جَوَازِ شَرِكَةِ التَّقَبُّلِ، وَهُوَ يُنَافِي اشْتِرَاطَهُ لِصِحَّتِهَا اتِّحَادَ الْعَمَلِ وَالْمَكَانِ.
أُجِيبُ بِأَنَّ عَنْ زُفَرَ فِي جَوَازِ شَرِكَةِ التَّقَبُّلِ رِوَايَتَيْنِ ذَكَرَهُمَا فِي الْمَبْسُوطِ، فَفَرَّعَ رِوَايَةَ الْمَنْعِ عَلَى شَرْطِ خَلْطِ الْمَالِ، وَذَكَرَ هُنَا شَرْطَهُ فِي تَجْوِيزِهَا، ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَجْهَ الْجَوَازِ بِقولهِ (لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمُجَوِّزَ لِشَرِكَةِ التَّقَبُّلِ) مِنْ كَوْنِ الْمَقْصُودِ تَحْصِيلَ الرِّبْحِ (لَا يَتَفَاوَتُ) بَيْنَ كَوْنِ الْعَمَلِ فِي دُكَّانَيْنِ أَوْ دُكَّانٍ وَكَوْنِ الْأَعْمَالِ مِنْ أَجْنَاسٍ أَوْ جِنْسٍ فَلَا وَجْهَ لِاشْتِرَاطِ شَرْطٍ بِلَا دَلِيلٍ يُوجِبُهُ.

متن الهداية:
(وَلَوْ شَرَطَا الْعَمَلَ نِصْفَيْنِ وَالْمَالَ أَثْلَاثًا جَازَ) وَفِي الْقِيَاسِ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ بِقَدْرِ الْعَمَلِ، فَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ فَلَمْ يَجُزْ الْعَقْدُ لِتَأْدِيَتِهِ إلَيْهِ، وَصَارَ كَشَرِكَةِ الْوُجُوهِ، وَلَكِنَّا نَقول: مَا يَأْخُذُهُ لَا يَأْخُذُهُ رِبْحًا لِأَنَّ الرِّبْحَ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ عَمَلٌ وَالرِّبْحَ مَالٌ فَكَانَ بَدَلَ الْعَمَلِ وَالْعَمَلُ يُتَقَوَّمُ بِالتَّقْوِيمِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ مَا قُوِّمَ بِهِ فَلَا يَحْرُمُ، بِخِلَافِ شَرِكَةِ الْوُجُوهِ؛ لِأَنَّ جِنْسَ الْمَالِ مُتَّفِقٌ وَالرِّبْحُ يَتَحَقَّقُ فِي الْجِنْسِ الْمُتَّفِقِ، وَرِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي الْمُضَارَبَةِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَلَوْ شَرَطَا الْعَمَلَ نِصْفَيْنِ) يَعْنِي التَّسَاوِيَ فِي الْعَمَلِ وَالرِّبْحَ أَثْلَاثًا (جَازَ) بِشَرْطِ كَوْنِ الْمَشْرُوطِ لَهُ مَشْرُوطًا عَلَيْهِ الْعَمَلُ (وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ) وَهُوَ قول زُفَرَ (لِأَنَّ الضَّمَانَ هُنَا إنَّمَا هُوَ بِقَبُولِ الْعَمَلِ) أَيْ لِأَنَّهُ لَا مَالَ عُقِدَتْ الشَّرِكَةُ عَلَيْهِ فَزِيَادَةُ الرِّبْحِ لِأَحَدِهِمَا (رِبْحٌ مَا لَمْ يُضْمَنْ فَلَمْ تَجُزْ) كَمَا لَمْ تَجُزْ شَرِكَةُ الْوُجُوهِ مَعَ شَرْطِ التَّفَاضُلِ فِي رِبْحِ مَا يُبَاعُ مِمَّا اشْتَرَى بِالْوُجُوهِ، وَأَمَّا كَوْنُ التَّفَاضُلِ يَجْرِي فِيهَا إذَا شَرَطَا التَّفَاوُتَ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ اشْتَرَكَا عَلَى أَنَّ مَا اشْتَرَاهُ كُلٌّ مِنْهُمَا يَكُونُ لِلْآخَرِ رُبْعُهُ فَقَطْ، فَيَنْقَسِمُ الرِّبْحُ عَلَى قَدْرِ مِلْكِهِمَا فَذَلِكَ فِي الْحَقِيقَةِ عَدَمُ التَّفَاوُتِ فِي الرِّبْحِ.
قُلْنَا: الْمَأْخُوذُ مِنْ هَذِهِ الشَّرِكَةِ لَيْسَ رِبْحًا حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الرِّبْحِ إنَّمَا تَكُونُ عِنْدَ اتِّحَادِ جِنْسِ الرِّبْحِ وَمَا بِهِ الِاسْتِرْبَاحُ، وَهُوَ هُنَا مُخْتَلِفٌ؛ لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ عَمَلٌ وَالرِّبْحَ مَالٌ، وَإِنَّمَا يُقَالُ لَهُ رِبْحٌ مَجَازًا، وَإِنَّمَا هُوَ بَدَلُ عَمَلِهِ وَالْعَمَلُ يَتَقَدَّرُ بِالتَّقْدِيرِ: أَيْ بِحَسَبِ التَّرَاضِي، فَمَا قُدِّرَ لِكُلٍّ هُوَ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ التَّرَاضِي أَنْ يُجْعَلَ بَدَلَ عَمَلِهِ فَلَا يَحْرُمُ خُصُوصًا إذَا كَانَ أَحْذَقَ فِي الْعَمَلِ وَأَهْدَى، وَعَلَى هَذَا اتَّجَهَ خِلَافُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ فِيمَا لَوْ شُرِطَتْ الزِّيَادَةُ لِأَكْثَرِهِمَا عَمَلًا.
وَصَحَّحُوا الْجَوَازَ لِأَنَّ الرِّبْحَ لِضَمَانِ الْعَمَلِ لَا بِحَقِيقَةِ الْعَمَلِ، وَلِذَا لَوْ مَرِضَ أَحَدُهُمَا أَوْ غَابَ فَلَمْ يَعْمَلْ وَعَمِلَ الْآخَرُ كَانَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا بِلَا خِلَافٍ يُعْلَمُ.
وَقولهُ (بِخِلَافِ شَرِكَةِ الْوُجُوهِ؛ لِأَنَّ جِنْسَ الْمَالِ مُتَّفِقٌ) فَإِنَّ الرِّبْحَ بَدَلُ مَا هُوَ مَالٌ فَيَتَحَقَّقُ بِالتَّفَاوُتِ فِي الرِّبْحِ رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي الْمُضَارَبَةِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ.
هَذَا وَقول الْمُصَنِّفِ لَمْ يَجُزْ الْعَقْدُ وَصَارَ كَشَرِكَةِ الْوُجُوهِ يُعْطِي ظَاهِرُهُ بُطْلَانَ الْعَقْدِ بِشَرْطِ الزِّيَادَةِ.
وَالْوَجْهُ أَنْ تَبْطُلَ الزِّيَادَةُ فَقَطْ وَيَسْتَحِقَّ مِثْلَ الْأَجْرِ، فَإِنَّهُ نَصَّ فِي شَرِكَةِ الْوُجُوهِ الَّتِي شَبَّهَ بِهَا عَلَى ذَلِكَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فَقَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِطَ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ الضَّمَانِ وَإِنْ شَرَطَا الرِّبْحَ بِخِلَافِ الضَّمَانِ بَيْنَهُمَا فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَيَكُونُ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ ضَمَانِهِمَا.

متن الهداية:
قَالَ: (وَمَا يَتَقَبَّلُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْعَمَلِ يَلْزَمُهُ وَيَلْزَمُ شَرِيكَهُ) حَتَّى إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُطَالَبُ بِالْعَمَلِ وَيُطَالِبُ بِالْأَجْرِ (وَيَبْرَأُ الدَّافِعُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ) وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الْمُفَاوَضَةِ َفِي غَيْرِهَا اسْتِحْسَانٌ.
وَالْقِيَاسُ خِلَافُ ذَلِكَ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ وَقَعَتْ مُطْلَقَةً وَالْكَفَالَةُ مُقْتَضَى الْمُفَاوَضَةِ.
وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ الشَّرِكَةَ (مُقْتَضِيَةٌ لِلضَّمَانِ)؛ أَلَا تَرَى أَنَّ مَا يَتَقَبَّلُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْعَمَلِ مَضْمُونٌ عَلَى الْآخَرِ، وَلِهَذَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِسَبَبِ نَفَاذِ تَقَبُّلِهِ عَلَيْهِ فَجَرَى مَجْرَى الْمُفَاوَضَةِ فِي ضَمَانِ الْعَمَلِ وَاقْتِضَاءِ الْبَدَلِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَمَا يَتَقَبَّلُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْعَمَلِ يَلْزَمُهُ وَيَلْزَمُ شَرِيكَهُ) حَتَّى أَنَّ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ أَنْ يَأْخُذَ الشَّرِيكَ بِعَمَلِهِ، وَلِلشَّرِيكِ الَّذِي لَمْ يَتَقَبَّلْ الْعَمَلَ أَنْ يُطَالِبَ رَبَّ الثَّوْبِ مَثَلًا بِالْأُجْرَةِ، وَيَبْرَأَ الدَّافِعُ بِدَفْعِ الْأُجْرَةِ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ إنَّمَا عَمَلُهُ الَّذِي تَقَبَّلَهُ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ (هَذَا) وَهُوَ ضَمَانُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَمَلَ مَا تَقَبَّلَهُ الْآخَرُ، وَمُطَالَبَةُ كُلٍّ بِأُجْرَةِ الْآخَرِ وَبَرَاءَةُ الدَّافِعِ إلَيْهِ الْأُجْرَةَ (ظَاهِرٌ) فِيمَا إذَا عَقَدَا شَرِكَةَ الصَّنَائِعِ مُفَاوَضَةً (وَفِي غَيْرِهَا) وَهُوَ فِيمَا إذَا أَطْلَقَا الشَّرِكَةَ أَوْ قَيَّدَاهَا بِالْعِنَانِ (اسْتِحْسَانٌ) فَلَا فَرْقَ فِي ثُبُوتِ هَذِهِ الْأُمُورِ بَيْنَ الْمُفَاوَضَةِ وَالْعِنَانِ فِيهَا (وَالْقِيَاسُ خِلَافُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ وَقَعَتْ مُطْلَقَةً) وَإِذَا وَقَعَتْ مُطْلَقَةً انْصَرَفَتْ إلَى الْعِنَانِ فَلَمْ تَثْبُتْ الْمُفَاوَضَةُ إلَّا بِالنَّصِّ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى مَعْنَاهُ، وَبِهَذَا عَلِمْت أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ إطْلَاقِ الشَّرِكَةِ وَالتَّنْصِيصِ عَلَى جَعْلِهَا عِنَانًا فِي أَنَّ الْمُنْعَقِدَ عِنَانٌ وَالْكَفَالَةُ مُقْتَضَى الْمُفَاوَضَةِ.
(وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ الشَّرِكَةَ) أَعْنِي شَرِكَةَ الصَّنَائِعِ (مُقْتَضِيَةٌ لِلضَّمَانِ) فِي الْقَدْرِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، لَا أَنَّهَا تَضَمَّنَتْ تَوْكِيلَ تَقَبُّلِ الْعَمَلِ عَلَى صَاحِبِهِ فَكَانَ الْعَمَلُ بِالضَّرُورَةِ مَضْمُونًا عَلَى الْآخَرِ وَلِذَا اسْتَحَقَّ مِنْ الْأُجْرَةِ بَعْضَ مَا سُمِّيَ لِلْآخَرِ (بِسَبَبِ نَفَاذِ تَقَبُّلِهِ عَلَيْهِ فَجَرَى) هَذَا الْعَقْدُ، وَإِنْ كَانَ عِنَانًا (مَجْرَى الْمُفَاوَضَةِ فِي ضَمَانِ الْعَمَلِ) عَنْ الْآخَرِ (وَاقْتِضَاءِ الْبَدَلِ) وَإِنْ لَمْ يَتَقَبَّلْ ضَرُورَةً، بِخِلَافِ مَا سِوَى هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ هُوَ فِيهَا عَلَى مُقْتَضَى الْعِنَانِ، وَلِذَا لَوْ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِدَيْنٍ مِنْ أَمْرِ الصِّنَاعَةِ كَثَمَنِ صَابُونٍ أَوْ صَبْغٍ أَوْ بِدَيْنٍ لِلْعُمْلَةِ عَنْ عَمَلِهِمْ أَوْ أُجْرَةِ بَيْتٍ أَوْ دُكَّانٍ لِمُدَّةٍ مَضَتْ لَا يُصَدَّقُ عَلَى صَاحِبِهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّ نَفَاذَ الْإِقْرَارِ عَلَى الْآخَرِ مُوجَبٌ الْمُفَاوَضَةَ وَلَمْ يَنُصَّا عَلَيْهَا.
ثَلَاثَةٌ لَمْ يَعْقِدُوا بَيْنَهُمْ شَرِكَةُ تَقَبُّلٍ تَقَبَّلُوا عَمَلًا ثُمَّ جَاءَ أَحَدُهُمْ فَعَمِلَهُ كُلَّهُ فَلَهُ ثُلُثُ الْأَجْرِ وَلَا شَيْءَ لِلْآخَرَيْنِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمَّا لَمْ يَكُونُوا شُرَكَاءَ كَانَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ ثُلُثُ الْعَمَلِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ ثُلُثُهُ بِثُلُثِ الْأَجْرِ، فَإِذَا عَمِلَ الْكُلَّ كَانَ مُتَطَوِّعًا فِي الثُّلُثَيْنِ فَلَا يَسْتَحِقُّ إلَّا ثُلُثَ الْأَجْرِ.

متن الهداية:
قَالَ: (وَأَمَّا شَرِكَةُ الْوُجُوهِ فَالرَّجُلَانِ يَشْتَرِكَانِ وَلَا مَالَ لَهُمَا عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَا بِوُجُوهِهِمَا وَيَبِيعَا فَتَصِحَّ الشَّرِكَةُ عَلَى هَذَا) سُمِّيَتْ بِهِ لِأَنَّهُ لَا يَشْتَرِي بِالنَّسِيئَةِ إلَّا مَنْ كَانَ لَهُ وَجَاهَةٌ عِنْدَ النَّاسِ، وَإِنَّمَا تَصِحُّ مُفَاوَضَةً لِأَنَّهُ يُمْكِنُ تَحْقِيقُ الْكَفَالَةِ وَالْوَكَالَةِ فِي الْأَبْدَالِ، وَإِذَا أُطْلِقَتْ تَكُونُ عِنَانًا لِأَنَّ مُطْلَقَهُ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ وَهِيَ جَائِزَةٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَالْوَجْهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي شَرِكَةِ التَّقَبُّلِ.
قَالَ: (كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكِيلُ الْآخَرِ فِيمَا يَشْتَرِيهِ) لِأَنَّ التَّصَرُّفَ عَلَى الْغَيْرِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِوَكَالَةٍ أَوْ بِوِلَايَةٍ وَلَا وِلَايَةَ فَتَتَعَيَّنُ الْوَكَالَةُ (فَإِنْ شَرَطَا أَنَّ الْمُشْتَرَى بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَالرِّبْحَ كَذَلِكَ يَجُوزُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَفَاضَلَا فِيهِ، وَإِنْ شَرَطَا أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرَى بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا فَالرِّبْحُ كَذَلِكَ)، وَهَذَا لِأَنَّ الرِّبْحَ لَا يُسْتَحَقُّ إلَّا بِالْمَالِ أَوْ الْعَمَلِ أَوْ بِالضَّمَانِ فَرَبُّ الْمَالِ يَسْتَحِقُّهُ بِالْمَالِ، وَالْمُضَارِبُ يَسْتَحِقُّهُ بِالْعَمَلِ، وَالْأُسْتَاذُ الَّذِي يُلْقِي الْعَمَلَ عَلَى التِّلْمِيذِ بِالنِّصْفِ بِالضَّمَانِ، وَلَا يُسْتَحَقُّ بِمَا سِوَاهَا؛ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ تَصَرَّفْ فِي مَالِكِ عَلَى أَنَّ لِي رِبْحَهُ لَمْ يَحُزْ لِعَدَمِ هَذِهِ الْمَعَانِي.
وَاسْتِحْقَاقُ الرِّبْحِ فِي شَرِكَةِ الْوُجُوهِ بِالضَّمَانِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَالضَّمَانُ عَلَى قَدْرِ الْمِلْكِ فِي الْمُشْتَرَى وَكَانَ الرِّبْحُ الزَّائِدُ عَلَيْهِ رِبْحَ مَا لَمْ يُضْمَنْ فَلَا يَصِحُّ اشْتِرَاطُهُ إلَّا فِي الْمُضَارَبَةِ وَالْوُجُوهُ لَيْسَتْ فِي مَعْنَاهَا، بِخِلَافِ الْعِنَانِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهَا مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَعْمَلُ فِي مَالِ صَاحِبِهِ فَيُلْحَقُ بِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَأَمَّا شَرِكَةُ الْوُجُوهِ فَالرَّجُلَانِ يَشْتَرِكَانِ وَلَا مَالَ لَهُمَا لِيَشْتَرِيَا بِوَجْهِهِمَا) أَيْ بِوَجَاهَتِهِمَا وَجَاهِهِمَا وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْجَاهَ مَقْلُوبُ الْوَجْهِ لِمَا عُرِفَ غَيْرَ أَنَّ الْوَاوَ انْقَلَبَتْ حِينَ وُضِعَتْ مَوْضِعَ الْعَيْنِ لِلْمُوجِبِ لِذَلِكَ، وَلِذَا كَانَ وَزْنُهُ عَفَلَ (وَأَنَّهَا تَكُونُ مُفَاوَضَةً) بِأَنْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِ الْكَفَالَةِ وَالْمُشْتَرَى بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ ثَمَنِهِ وَيَتَسَاوَيَا فِي الرِّبْحِ وَيَتَلَفَّظَا بِلَفْظِ الْمُفَاوَضَةِ، أَوْ يَذْكُرَا مُقْتَضَيَاتِهَا كَمَا سَلَفَ (فَتَتَحَقَّقُ الْوَكَالَةُ وَالْكَفَالَةُ فِي الْأَبْدَالِ) أَيْ الْأَثْمَانِ وَالْمَبِيعَاتِ، وَإِنْ فَاتَ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا كَانَتْ عِنَانًا؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ عَقْدِ الشَّرِكَةِ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ لِتَبَادُرِهِ وَزِيَادَةِ تَعَارُفِهِ عَمَلًا.
وَمَنَعَهَا الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ، وَالْوَجْهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ تَقَدَّمَ فِي شَرِكَةِ الْأَعْمَالِ.
وَنَقول: صِحَّةُ الْعَقْدِ بِاعْتِبَارِ صِحَّةِ الْوَكَالَةِ، وَتَوَصُّلُ كُلٍّ مِنْ الْآخَرِ بِالشَّرِكَةِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرَى بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ أَوْ أَثْلَاثًا صَحِيحٌ، فَكَذَا الشَّرِكَةُ الَّتِي تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْوَكَالَةَ، وَتَقَدَّمَ مَعْنَى الْبَاقِي غَيْرِ الْفَرْقِ بَيْنِ الْوُجُوهِ وَالْعِنَانِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ فِي شَرِكَةِ الْوُجُوهِ لَا يَصِحُّ التَّفَاوُتُ فِي الرِّبْحِ وَيَصِحُّ فِي الْعِنَانِ مَعَ أَنَّ الرِّبْحَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ جِنْسِ الْأَصْلِ، فَفَرَّقَ بِأَنَّ شَرِكَةَ الْعِنَانِ فِي مَعْنَى الْمُضَارَبَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلًّا عَامِلٌ فِي مَالِ صَاحِبِهِ، بِخِلَافِ شَرِكَةِ الْوُجُوهِ فَصَحَّ إعْمَالُ شَبَهِ الْمُضَارَبَةِ فِي الْعِنَانِ فِي إجَازَةِ تَفَاوُتِ الرِّبْحِ، بِخِلَافِ الْوُجُوهِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ شَبَهَ الْمُضَارَبَةِ إنَّمَا جَوَّزَ زِيَادَةَ رِبْحِ أَحَدِهِمَا فِي الْعِنَانِ بِاعْتِبَارِ عَمَلِهِ فِي مَالِ الْآخَرِ وَلَيْسَ فِي شَرِكَةِ الْوُجُوهِ أَحَدُهُمَا عَامِلٌ فِي مَالِ الْآخَرِ، وَعَلَى هَذَا فَلَا يُجْعَلُ الِاسْتِحْقَاقُ فِي الْمُضَارَبَةِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ إلْحَاقُ غَيْرِهِ بِهِ لِشَبَهِهِ بِهِ، بَلْ نَقول الرِّبْحُ يُسْتَحَقُّ شَرْعًا بِأَحَدِ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةِ، مِنْهَا الْعَمَلُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ لِلِاسْتِحْقَاقِ شَرْعًا بِالْعَمَلِ فِي الْإِجَارَةِ، وَحِينَئِذٍ يَسْقُطُ اعْتِرَاضُ بَعْضِهِمْ بِأَنَّهُ لَوْ جَازَ رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ فِي الْعِنَانِ لِشَبَهِهِ بِالْمُضَارَبَةِ يَصِحُّ الشَّرِكَةُ بِالْعُرُوضِ فِي الْعِنَانِ، وَنَحْنُ إنَّمَا لَمْ نُجَوِّزْهَا لِأَدَائِهَا إلَى رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ؛ لِأَنَّ فِي جَعْلِ رَأْسِ مَالِ الشَّرِكَةِ عُرُوضًا رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ لَا فِي مُقَابَلَةِ عَمَلٍ لِلْمُسْتَحِقِّ فِي مَالِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ عِنْدَ بَيْعِ الْعُرُوضِ مُتَفَاوِتَةَ الثَّمَنِ.
فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَا يَجُوزُ بِاعْتِبَارِ فَضْلِ الْعَمَلِ كَمَا فِي الصَّنَائِعِ؟ أُجِيبُ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ فِيمَا يَكُونُ الْعَمَلُ فِي مَالٍ مَعْلُومٍ كَمَا فِي الْعِنَانِ وَالْمُضَارَبَةِ، وَلَمْ يُوجَدْ هُنَا.